أهم شيء فى العلم هو البحث.
و اهم شيء فى البحث هو النشر الذى يعتد به.
و اهم شيء فى النشر هو النجاح و النجاح هنا نقصد به ان يكون لعملك قبول من الاقران اى من الباحثين من امثالك فى ذلك المجال او الموضوع.
أما علامة النجاح مع الاقران و القبول من الاقران فهو ان يكون لديك عدد محترم من الاستشهادات citations. اى ان يرجع الى عملك و يستشهد به اكبر عدد ممكن من الاقران.
هذا هو ما نصارعه يوميا كباحثين. العبرة ليست بالنشر و لا بالدورية التى تنشر فيها و لا بعدد المنشورات. بل العبرة كل العبرة
بعدد الاستشهادات. ذلك هو العامل الحاسم النهائى.
و قد يحدث ان يكون لباحث مزيف عدد هائل من الاستشهادات من المزيفين من امثاله او فى مجال مزيف. هذا ايضا موجود. و علينا ان نحذر من كل هذا الزيف و التزييف الذى نجده حتى فى العلم.
لكن كل مجال لديه دوريات مرموقة و باحثين مرموقين (يعرفهم الجميع فى ذلك المجال) و الاستشهادات من هؤلاء هى التى نتكلم عنها هنا.
اذن هذا ما نصارعه فى آخر المطاف القبول و النجاح عبر تحقيق اكبر عدد ممكن من الاستشهادات من الاقران المعترف بهم فى المجال.
و هذا الطريق هو ليس طريق علمى بحت بل هو ايضا للأسف طريق اجتماعى بامتياز.
اذن الباحث يحتاج الى مجتمع علمى يعرفونه و يعرفهم حتى يحقق هذا النجاح.
و بدون العامل الاجتماعى (بسلبياته و ايجابياته) فان صراعه يتحول الى صراع دون كيشوت مع طواحين الهواء اى لن يجنى من وراءه اى نجاح ملموس او يذكر.
هذا العنصر الاجتماعى هو اكبر عامل يتضرر منه الباحث الجزائرى او العربى الذى يعمل من الداخل -داخل الوطن- اما الجانب العلمى فى حد ذاته فقد يحقق فيه الانسان اعلى المستويات لكن يبقى امرا بدون اثر اذا لم يكن هناك تفاعل اجتماعى مع الخارج -خارج الوطن-.
و العكس ايضا صحيح فان الباحث الجزائرى الذى يعمل من الخارج -خارج الوطن- قد يبلغ اعلى المستويات فقط من جهة تفاعلاته الاجتماعية مع ذلك الخارج وليس بالضرورة من امتلاكه اى قوة علمية حقيقية.
هذا هو كيف يتم تقييم الباحث العلمى فى مجاله.
لكن على مستويات الطلبة و طلبة الدكتوراة و طلبة ما بعد الدكتوراة فان معرفة المستوى العلمى هو امر اسهل بكثير.
مثلا على مستوى طلبة ما بعد الدكتوراة او البوست-دوك post-docs فان مسابقات البوست-دوك هى معيار ممتاز.
واذكر هنا جزء من سيرتى الذاتية كمثال.
مثلا اتذكر اننى دخلت عام 2005 مسابقة (متابع مارى كورى الدولى Marie Curie International Fellow) التابعة للاتحاد الاوروبى European Union و قد شارك فى المسابقة حوالى 79 فيزيائى نظرى فى مستوى البوست-دوك من مختلف انحاء العالم و قد ترتبت شخصيا بينهم فى الرتبة 20.
اللجنة لجنة المسابقة قررت اخذ ال 19 مترشح الاول و بذلك كنت الاول فى قائمة الانتظار waiting list. اذن فى الانتقاء الاول first selection لم انجح برتبة واحدة و هذا امر لا استطيع تصديقه الى غاية يومنا هذا.
لحسن الحظ لم يتمكن البعض من ال 19 الاوائل الذين اختارتهم اللجنة ان يلتحق بهذا المنصب و بهذا دخلت قائمة المترشحين الناجحين فى المسابقة بعد معاناة نفسية مع الانتظار القاتل.
مشروع البحث الذى قدمته للجنة كان -محاكاة نظرية الحقول غير-التبديلية فى اربعة ابعاد Simulation of noncommutative field theory in 4 dimensions- و هو موجود فى الرابط.
هذا موضوع مازال يصلح اليوم لمن كان مهتما بالامر لانه موضوع لم يحسم بعد رغم كل هذه السنوات التى مرت.
السؤال الآن اذا كنت قد ترتب ال 20 من 80 على مستوى البوست-دوك اى فى ال 25 بالمائة الاولى قبل كل تلك السنوات الطوال فهل سأترتب اليوم ايضا فى ال 25 بالمائة الاولى على مستوى الاساتذة من اقرانى?
الجواب هو اكيد لا.
اذن شخصيا رغم ان العلم الذى حققته اليوم اكبر بكثير من العلم الذى كان لدى فى ذلك الوقت الا ان ترتيبى العلمى قد تقهقر بكثير وهذا كله بسبب العامل الاجتماعى الذى كنت قد ذكرته و الذى يبدو اننى قد قصرت فيه او على الاقل لم ابذل فيه ما بذلت من جهد فى الجانب العلمى.
اذن يجب ابدا عدم التقصير فى العامل الاجتماعى -او نسيانه خلال صراعك مع الجانب العلمى- و محاولة بناء تعاون علمى و تواصل بحثى مع الخارج لانه عامل حاسم فى التطور المستمر و النجاج المستقبلى ان شاء الله.