لا يمكن لأى احد ان يدعى معرفة كنه العلاقة بين الزمن و العقل. لا فيلسوف و لا عالم. و من ادعى ذلك فهو كاذب و مغرور.
ثم من هو اقوى هل هو الزمن ام العقل.
ثم هل الموت جزء من الزمن ام انه مرحلة للعقل.
ثم سؤال الاسئلة الذى هو خلاصة كل الاسئلة: هل يمكن فعلا السفر فى الزمن و تغيير الماضى. و هل يمكن ان يسافر احد من المستقبل الى الحاضر من اجل تغييره. نحن نتقبل هذه الفكرة الاخيرة -السفر من المستقبل الى الحاضر- لكن نجد صعوبة فى تقبل الفكرة الاولى -السفر من الحاضر الى الماضى- رغم انهما من الناحية الفيزيائية و الفلسفية متكافئان تماما.
واذكر هنا اننا ناقشنا فى الماضى معضلة السفر فى الزمن و أكدنا انها مسألة وجيهة جدا فلسفيا و فيزيائيا. و اهم واقوى الاعتراضات الموجودة امام هذه الامكانية كما ذكرنا هو قانون السببية.
ثم ايضا ماهى العلاقة بين العقل و اللاعقل اى الجنون.
بل ان ماهية العقل لا يمكن سبرها فعلا بشكل حقيقى عميق الا اذا درسنا الامراض النفسية و العقلية و بخاصة السكيزوفرينيا و الانفصام.
ربما الذى يراه مرضى السكيزوفرينيا اكثر حقيقية مما نراه نحن. أليس عالم الخيال عند بعض الفلاسفة اكثر حقيقية من عالم المادة. بل ان بعض الفلاسفة قارن بين الجنون و النبوة. وقد اتهمت قريش قديما النبى صلى الله عليه و سلم بالجنون.
وربما التعدد فى الشخصيات او الانفصام او بالاحرى الشرخ فى الشخصية قد يصل الى عدد لانهائى من الشخصيات المختلفة و هذا هو -الفيلق او ليجون legion- وهو عنوان المسلس ادناه و هو من انتاج مارفل Marvel مع أف أكس FX.
ثم عندما نسافر فى الزمن فهل الوعى الحالى عند التقائه بالوعى القديم يقع عنده فناء الوعيين وتحولهما الى طاقة روحية مثلما انه عند التقاء الالكترون و البوزيترون يقع فنائهما معا و تحولهما الى طاقة.
اذا كان الوعى الحالى مختلف فعلا عن الوعى القديم مختلف فعلا عن الوعى المستقبلى الا يعنى هذا ان الوعى مختلف فى الزمن اى ان الهوية او الشخصية تتعلق بالزمن.
اذن السفر فى الزمن يؤدى هو الآخر الى انفصام اخر فى الوعى -انفصام عابر للزمن- مختلف بل اكثر خطورة من الانفصام الذى قد يعانيه الوعى فى الحاضر.
هل الهوية ثابتة فى الزمن ام انها متغيرة يعنى هل انت فى هذه اللحظة هو نفس الشخص الذى سيكون بعد عشرين سنة و هو نفس الشخص الذى كان قبل عشرين سنة.
اذا كان السفر فى الزمن ممكن -اى اذا كان العقل اقوى من الزمن- فان هذا يعنى ان الوعى او الهوية متغيرة فى الزمن و هذا بحد ذاته يعنى انه يمكن تغيير الماضى كما انه يمكن التأثير فى المستقيل.
هذا يؤدى بنا الى التشكك فى حقيقة المسؤولية و بأى وعى تتعلق فى الاخير. مثلا لماذا انت بعد عشرين سنة مسؤول عما تقوم به الآن فى الحاضر رغم انه يبدو بديهيا انك الآن فى الحاضر مسؤول عما قام به وعيك منذ عشرين سنة.
كل هذه المسائل الشائكة جدا يناقشها هذا المسلسل الذكى جدا و الجمالى جدا فهو يدرس هذه المسائل بشكل فنى ادبى يسمح بعيدا عن تعقيدات الفلسفة و الفيزياء النظرية.
وهذا المسلسل فى رأيى هو من افضل مسلسات السوبرهيرو و المارفل بالخصوص و التى لا يعجبنى انتاجها بشكل عام. لكن هذا العمل وجدته استثناء بأتم معنى الكلمة.
الموسم الثالث هو اهم موسم على الاطلاق و هو حتى من الناحية الدراميو افضل موسم.
عنوان المسلس هو -فيلق او ليجون- و بطله رجل اسمه دايفيد يعانى من المرض العقلى ثم يكتشف ان مرضه العقلى هو فى الحقيقة سوبرباور superpower - عبارة عن تيليباثى telepathy اى تأثير العقل فى و على المادة-.
يكتشف دافيد بعد ذلك انه يعانى فعلا من مرض الانفصام لكن مرضه العقلى الآخر تسبب له فيه فيروس عقلى هو فى حد ذاته رجل اسمه فارق يتميز هو الآخر بسوبر باور و قد كان تمكن من عقل دايفيد و احتله عندما كان رضيعا بعد صراع مع والد دايفيد.
دافيد يتغلب فى الاخير على فارق و يطرده من عقله.
ثم يتحول الى بطل hero مدافع عن الحق و العدل و الخير ثم يتحول بعد ذلك الى البطل-الضدى anti-hero بعدما يعلم الجميع انه سيتسبب فى المستقبل بباطل و ظلم و شر كبير و يقوموا بسبب ذلك بالضغط علي دافيد رغم انه لم يفعل شيء بعد.
تحت تأثير كل هذا الضغط و تحالف اصدقائه مع فاروق ضده لاعادة التحكم فيه و وضعه فى المصحة العقلية فان دايفيد يثور فى الاخير على الجميع و يتغلب عليهم جميعا لانه اقوى منهم مجتمعين و يتحول بالفعل الى بطل-ضدى رغم ارادته.
لكن دايفيد يرفض مصيره المحتوم الذى حكمت به عليه حتمية المستقبل.
و يبدأ بذلك دافيد عن البحث عن جن الزمن -التى هى كائنات تعيش فى الفضاء-زمن عكس الانسان الذى يعيش فى الفضاء و الزمن- و يجدهم و يسعى معهم الى تغيير الماضى رغم تهديد آكلات الزمن لكل هذا الوجود فى كل مرة يسافر فيها دايفيد الى الماضى و يحاول تغييره.
دايفيد بقدراته العقلية الجبارة يتغلب على آكلات الزمن نفسها -التى تعيش بين الفضاء و الزمن-.
بعد صراع شديد مع آكلات الزمن و مع فاروق و مع اصدقائه القدامى و بمساعدة والده -بروفيسور زافيير من افلام الأكس مان- ينجح دايفيد فى مهمته بعد موافقة و رضا من الكون -وهذا ما اخبر به جن الزمن- و هذا النجاح ينطوى على مسح جميع ذلك التاريخ و منه دافيد نفسه و فاروق و كل شيء آخر و اعادة الكرة من جديد و كأن شيء لم يكن ابتداءا من لحظة ولادة دافيد.
اذن الموت و السببية ليس لهما اى حقيقة حسب هذا التصور. اما كل الحقيقة فهى تكمن فى الحرية و الوعى. اذن الحرية هى منبع الوعى و الحريةهى ليست السببية رغم ان السببية احد منابعها. ام الزمن فهو منبع كل شيء مادى و منه السببية.
بصراحة وجدت هذا المسلسل من انجح كتابات السفر فى الزمن التى وقعت عليها قراءة او مشاهدة.
وعلى التذكير ان صعب كتابات الخيال العلمى على الاطلاق هى كتابات السفر فى الزمن.
No comments:
Post a Comment