دعنا اولا نعرف ما يسمي بطول بلانك. الثوابت الاساسية للكون هي سرعة الضوء c , التى تتحكم في الظواهر النسبية, ثابت بلانك h, الذي يتحكم في الظواهر الكمومية, و ثابت نيوتن G, الذي يتحكم في الظواهر الثقالية, و التى تعطي علي التوالى ب
c=299 792 458 m/s
h=6.626 070 040 x10^-34 J.s |
---|
G=6.674x10^⁻11 N.m^2/kg^2
من هذه الثوابت الكونية الثلاثة يمكن تشكيل كمية واحدة وحدتها هي وحدة الاطوال, اي المتر, و التى تعرف باسم طول بلانك Planck distance نسبة للفيزيائي الالمانى بلانك Planck. هذا الطول هو ايضا طول كونى, اي انه ثابت يتحكم بالضبط فى ما يسمى بالظواهر الوترية string effects, و التى هي اكثر الظواهر اساسيةَ في الكون, و يعطي بالعبارة
لاحظ ان ثابت بلانك هو واحد من 10^20 من نصف قطر البروتون. اذن صغر هذا الطول هو صغر شديد يصعب جدا على العقل الاحاطة به مثلما يصعب على العقل الاحاطة بالحجم الهائل للكونين المشاهد و غير المشاهد.
اعتمادا علي مبدأ الارتياب لهايزنيرغ Heisenberg uncertainty principle, الذي نأخذه كمبدأ فيزيائى كمومي مسلم به, طول بلانك هو اصغر طول يمكن قياسه, و محاولة الذهاب او قياس اطوال اقل منه غير ممكنة اصلا لان مفهوم الفضاء-زمن على هذا السلم ينهار اساسا و يصبح غير ذي معني. بعبارة اخري, لا يمكن تمييز اي نقطتين من الفضاء-زمن من بعضهما البعض اذا كانت المسافة بينهما اقل من طول بلانك. من الجهة الاخري, اقل من طول بلانك يصبح الفضاء-زمن ذو بنية رغوية كمومية quantum foam.
نظرية الاوتار string teory هي النظرية الفيزيائية الوحيدة التى يمكنها ان تصف الظواهر الكمومية الوترية, اي التي تحدث على مسافات و ابعاد مقاربة لطول بلانك, و هي عبارة عن ميكانيك كمومي يتم فيه تعويض الجسيمات الاولية باوتار, و من هنا جاءت تسمية الاوتار. اذن على ابعاد و مسافات مقاربة لطول بلانك تظهر لنا الجسيمات لا كنقاط لكن كاوتار, و لما نسمح للمسافات و الابعاد ان تصبح اكبر بكثير من طول بلانك, عندها فقط ستبدو لنا الاوتار كجسيمات مرة اخري.
في نظرية الاوتار يتم توحيد القوي الكونية الاساسية الاربعة, الثقالة و الكهرومغناطيسية و النووية و التهافت الاشعاعي, في قوة واحدة, ومرة اخري فقط عندما نذهب للابعاد و المسافات التى هي اكبر بكثير من طول بلانك, عندها فقط تنفصل هذه القوي الاربعة من بعضها البعض الي القوي التى نشاهدها الان. ايضا فان نظرية الاوتار هي الوحيدة التي يتم فيها توحيد الميكانيك الكمومى و النسبية العامة في اطار رياضي واحد, و شامل, خال مما يعرف باللانهايات او التباعدات ما فوق البنفسجية UV divergences و مشكل عدم اعادة التنظيم non-renormalizability, الذي تعانى منه اي عملية تكميم عادية للثقالة.
من اهم التنبؤات الرياضية البحتة لنظرية الاوتار, التى يظن الكثيرون, و انا منهم, ان لها حقيقة فيزيائية, هما التناظرات الفائقة supersymmetry و الابعاد الاضافية extra dimensions. نظرية الاوتار لا يمكنها ان تتواجد بدون التناظرات الفائقة التي توحد بين الجسيمات البوزونية bosons, اي التي لها سبين صحيح مثل الفوتون, و الجسيمات الفرميونية fermions, الي التي لها سبين نصف صحيح مثل الالكترون, عن طريق ربط هذين النوعين من الجسيمات بتحويلات نقطية معينة و جمعها في تمثيلات واحدة لزمرة بوانكريه الفائقة super-Poincare grou. من الجهة الاخري, فان نظرية الاوتار لا يمكن الا ان تتواجد في عشر ابعاد, تسعة منها مكانية, والبعد العاشر هو الزمن الذى تعرفه. الابعاد المكانية الستة الاضافية تلتف علي نفسها و تشكل متشعب كلابيا- يو Clabia-Yau manifold و هي ذات ابعاد صغيرة جدا مقاربة لمسافة بلانك و لهذا لا يمكننا رؤيتها الان.