LATEX

مبدأ التكافؤ و تساوى الكتلتين الثقالية و العطالية و الفكرة الاسعد فى حياة اينشتاين

 الالهام فى الفيزياء و بالخصوص الفيزياء النظرية هو حقيقة حقيقية و ليس وهما.

وهذا ما سماه اينشتاين (الفكرة الاسعد فى حياتى the happiest thought of my life).
حيث ان اينشتاين عبر عن لحظة اكتشافه الطريق نحو النسبية العامة بالفكرة الاسعد فى حياته و هذا عندما فهم دور مبدأ التكافؤ equivalence principle فى صياغة نظرية نسبية لقوة الجذب الثقالى.
اذن الالهام فى الفيزياء هو (الفكرة الاسعد فى الحياة).
و الجميع ممن درس الفيزياء النظرية بحق و حقيقة يدرك هذا حتى لو لم يجرب ابدا (الفكرة الاسعد فى الحياة).
فالفيزياء النظرية من هذا الباب مثل الفن و الابداع و هذا الالهام الذى هو اسعد فكرة فى الحياة هو مثل الكشف الصوفى.
وهذا مخصوص جدا فى الفيزياء النظرية اين تتقاطع الرياضيات و الفيزياء و الوعى و الطبيعة و العقل و الخيال و اشياء اخرى كثيرة لا تلتقى فى جل الميادين الاخرى.
اذن الفيزيائى النظرى الملهم هو شيء نادر مثلما ان الصوفى الحقيقى الذى تتكشف له الحجب شيء أندر.
بل ان الامكانية العقلية لهذا الالهام او الفكرة الاسعد فى الحياة هى بالضبط ما جعلنى شخصيا اقبل امكانية الكشف الصوفى عقلا على منوال ما فعل الغزالى منذ قرون الذى انطلق من الامكانية العقلية للكشف الصوفى من اجل الاقرار بامكانية الوحى.
اذن عبقرية العلماء هى تقريب لكشف الصالحين الذى هو تقريب لوحى الانبياء او هكذ افهم شخصيا هذا الامر.
اذن الفكرة الاسعد فى حياة اينشتاين هو الالهام الذى تلقاه من العقل الفعال -على مصطلح ابن سينا- او من اللاوعى -على مصطلح جونغ- عندما ادرك اينشتاين الاهمية القصوى لمبدأ التكافؤ.
مبدأ التكافؤ كان يعرفه غاليليو الذى ادرك ان الحركة المستقيمة المنتظمة لا تصدر عن قوة مثلما ان السكون لا يصدر عن قوة.
ثم جاء الملهم الآخر نيوتن و اكتشف ان مبدأ التكافؤ كما فهمه غاليليو هو ليس الا ما يسمى اليوم القانون الاول لنيوتن.
نيوتن هنا فهم الامر بعمق كبير. لانه ادرك ان كل عمليات الرصد الفيزيائية تتطلب معلم او معالم اسناد reference frames و ان هذه المعالم قد تكون متحركة اذن القوانين الفيزيائية يجب ان تكتب ضرورة بالنسبة الى معالم اسناد مخصوصة تسمى معالم الاسناد العطالية inertial reference frames التى يكون فيها قانون غاليلو صالحا.
بعبارة اخرى ادرك نيوتن انه لا يمكن تعريف معالم الاسناد العطالية بشكل ذاتى مستقل بل تعريفها لا يمكن الا بالرجوع الى مبدأ غاليلو.
بكل بساطة المعلم العطالى هو المعلم الذى تكون فيه الحركة المستقيمة المنتظمة لا تصدر عن اية قوة. بعبارة اخرى نقول ان المعلم العطالى هو المعلم الذى يطبق فيه قانون نيوتن الاول.
اما المعلم غير-العطالى non-inertial frame فهو المعلم الذى لا يطبق فيه قانون نيوتن الاول. و اهم المعالم العطالية نذكر اولا المعالم الدورانية و نذكر ثانيا المعالم المتسارعة.
و ادرك نيوتن ايضا ان هذه المعالم العطالية يجب ان تتحرك بالنسبة لبعضها البعض بسرعات منتظمة.
وان هذه المعالم العطالية يجب ان تتحرك بسرعة منتظمة بالنسبة الى معلم عطالى ثابت لا يتحرك يسمى الفضاء المطلق absolute space.
نيوتن كان يعلم جيدا ان هذا المعلم المطلق غير موجود على الارض و لهذا فهو يُعرفه بالنسبة للنجوم الثابتة البعيدة عن الارض.
من هذا المعلم المطلق الافتراضى جاءت فكرة الفضاء المطلق و الزمن المطلق او الفضاء-زمن المطلق التى انتقدها ليبنيز بشراسة ثم جاء بعده ماخ Mach و انتقدها اكثر و من نقد ماخ انطلق اينشتاين.
هذا هو مبدأ التكافؤ عند نيوتن.
مبدأ التكافؤ عند اينشتاين انطلق من ملاحظة ان الكتلة العطالية يجب ان تكون مساوية للكتلة الثقالية.
و الكتلة العطالية inertial mass هى الكتلة التى تؤثر عليها الحركة اى الكتلة التى يتم تسريعها اثناء الحركة.
اما الكتلة الثقالية gravitational mass فهى الكتلة التى تؤثر عليها قوة الجذب الثقالى اى هى الكتلة الموزونة.
اذن تساوى هاتين الكتلتين هو تعبير آخر عن مبدأ التكافؤ.
وتساوى هاتين الكتلتين الثقالية و العطالية يعنى ان جميع الاجسام تسقط بنفس الطريقة فى الحقول الثقالية.
وهذا يعنى ايضا ان هناك تكافؤ تام بين الحقل الثقالى و التسارع فكل تسارع يمكن النظر عليه -عبر تغيير المعلم- على انه حقل جذب ثقالى و كل حقل جذب ثقالى يمكن الغاءه عبر تغيير المعلم الى معلم متسارع. وهذا هو لب الالهام او الفكرة الاسعد فى حياة اينشتاين. لان هذه النتيجة هى من اعمق النتائج فى الفيزياء.
هنا كما ترون يدخل النقاش نوعا آخر من المعالم هى المعالم الساقطة سقوطا حرا freely falling frames و هى معالم غير-عطالية.
والمعالم الساقطة سقوطا حرا يمكن تقسيهما الى عدد لانهائى من المعالم العطالية.
وهذا هو محتوى مبدأ التكافؤ باستخدام الهندسة التفاضلية differential geometry عندما نقول ان المتشعب المنحنى curved manifold (وهو فضاء-زمن النسبية العامة) هو فى كل نقطة عبارة عن متشعب مينكوفسكى المسطح flat Minkowski manifold (وهو فضاء-زمن النسبية الخاصة).
اذن المتشعب المنحنى يقابل المعالم الساقطة سقوطا حرا و المتشعب المسطح يقابل المعالم العطالية.
بل ان حركات السقوط الحر فى حقل ثقالى فى النسبية العامة هى ما يقابل الحركات المستقيمة المنتظمة فى النسبية الخاصة و كليهما هو ما نسميه فى اطار الهندسة التفاضلية بالجيوديزيات geodesics التى هى الخطوط المخصوصة فى الهندسة المشكلة للبنية التفاضلية و البنية السببية لمتشعب الفضاء-زمن.
اذن هذا هو مبدأ التكافؤ. فهو ينص على ضرورة تساوى الكتلتين الثقالية و العطالية.
وهذا هو محتوى تجربة غاليليو الاولى فى هذا المضمار.
وهو ايضا محتوى تجربة ايتوفوس Eotvos التى حسمت هذا الامر فى التاريخ.
فى تجربة ايتوفوس نثبت كتلتين A و B الى طرفى ساق صلدة rigid rod معلقة بخيط رفيع طويل الى السقف. انظروا الصورة الاولى.
الكتلتان سوف تشعران بقوة الجذب الثقالى نحو مركز الارض وهى قوة عمودية فى اتجاه نسميه y. هاتان القوتان تتجهان اذن نحو مركز الارض كما هو معروف وهما تتعلقان على الكتلتين الثقاليتين mgA و mgB للكتلتين A و B على التوالى.
لكن تذكروا فان الارض هى ليست معلم عطالى لانها تدور. اذن هى سوف تؤدى الى لوى اى التواء الساق الصلدة حول الخيط الرفيع المعلق الى السقف.
اى ان الكتلتين سوف تشعران ايضا بقوة طاردة مركزية centrifugal force عمودية على محور دوران الارض. هاتان القوتان يمكن تفكيكهما الى مركبة عمودية فى الاتجاه y و مركبة موازية فى اتجاه نسميه x وهما تتعلقان على الكتلتين العطاليتين miA و miB على التوالى.
ركزوا هنا فان المحور العمودى y هو الخيط وهو محور ذاهب الى مركز الارض اما المحور الموازى x فهو بالضبط الساق الصلدة وهو محور عمودى على الخيط و ليس عمودى على محور دوران الارض -انظروا الصورة الثانية-.
هذه التشكيلة تمثل ميزان لوى torsion balance يسمح لنا بقياس القوى الضعيفة جدا عبر قياس عزم اللوى torsion moment الخاص بها حول محور معين -هنا القوة النى نريد قياسها هى قوة اللوى الناجمة عن دوران الارض حول المحور المعطى بالخيط الرفيع-
القوة فى الاتجاه العمودى y متوازنة balanced اى عزم القوة المؤثرة على الجسم A يساوى عزم القوة المؤثرة على الجسم B. انظر المعادلة فى الصورة الثالثة.
القوة فى الاتجاه الموازى x غير متوازنة من الناحية المبدأية لان هناك قوة لوى او لف torsion force تؤدى الى عزم moment نرمز له ب τ ناجمة عن امكانية اختلاف الكتلتين الثقالية و العطالية. انظر المعادلة فى الصورة الرابعة.
تسارع جاذبية الارض نرمز له ب g كالعادة. اما التسارع الطارد المركزى فى الاتجاهين x و y فنرمز له ب gcx و gcy على التوالى.
بتعويض معادلة الصورة الثالثة فى معادلة الصورة الرابعة و باهمال التسارع الطارد المركزى امام تسارع جاذبية الارض فاننا نحصل على المعادلات فى الصورتين الخامسة و السادسة.
من المعادلة الاخيرة فى الصورة السادسة نرى مباشرة ان عزم اللوى او اللف torsion moment ينعدم لو كانت الكتلة الثقالية تساوى الكتلة العطالية.
من الناحية التجريبية فاننا الذى نقيسه فى هذا العصر هو المعامل η بدلالة التسارع و هذا المعامل يقيس مباشرة الفرق بين الكتلتين الثقالية و العطالية. انظر الصورة السابعة.
آخر القياسات التجريبية التى اجريت عام 1994 تعطى النتيجة فى الصورة الثامنة و هى صفر تجريبى بالدقة المتاحة فى هذا العصر.
اذن الكتلة الثقالية تساوى بالفعل الكتلة العطالية و هذا من المبادئ الفيزيائية الأدق تجريبيا وهذا هو بالضبط مبدأ التكافؤ الذى لاحظه اولا غاليليو ثم فهمه نيوتن بشكل فيزيائى عميق ثم فهمه ليبنيز بفهم فلسفى لا يقل عمقا ثم نقده ماخ نقدا هائلا انطلق منه اينشتاين نحو النسبية العامة فى الفكرة الاسعد فى حياته.









No comments:

Post a Comment