LATEX

آيات العتاب من أكبر دلائل النبوة

 و لا نعرف احد من الفلاسفة او المفكرين او العلماء او حتى علماء الشريعة او العارفين بالحقيقة من قدم نقدا لنفسه فى كتبه و كتاباته. فانه من طبيعة الانسان ان لا يقبل النقد و لا يتحمله.

فالجميع و على رأسهم العلماء و الفلاسفة لا يتحمل النقد و كلهم يستميت فى اخفاء عيوبه و حتى الطريقة العلمية و الرياضيات فهما لا يتضمنان بل لا يتحملان النقد الذاتي الا على مضض شديد.
لكن القرآن الكريم فيه نقد -او ما اصطلح على تسميته عتاب- شديد للرسول صلى الله عليه و سلم.
اذن هنا الموقف من العلاقة بين الظاهرة القرآنية و الظاهرة المحمدية (التى هى ثنائية كما بينا فى أماكن اخرى فكل طرف هو دليل على الطرف الآخر و كل طرف يصلح للوصف و التفسير من منظور لا يصلح فيه الطرف الاخر) اذن العلاقة بين هاتين الظاهرتين هو احد ثلاثة امور:
-اما ان الرسول كاذب و هو يعلم انه كاذب فى ادعاءه ان القرآن وحى من عند الله. وهذا هو موقف الكفار فى كل زمان و مكان و على رأسهم اليهود و المسيحيين و العلم الغربى الذي اسسوه. فهؤلاء هم على التحقيق اكبر الكفار لانهم الاقرب الى بل الاقدر على رؤية الحقيقة لكنهم جميعا يرفضونها.
-او ان الرسول يعتقد صادقا انه يقول الحقيقة لكن كل ذلك الذى يذكره خيال. اذن الرسول هو فعلا يقول الحقيقة من منظوريانيته لكن تلك الحقيقة هى فقط شيء فى نفسه متخيل عنده ليس له حقيقة فى الخارج. هذا هو رأى علم النفس و بخاصة جونغ و جايمس فى ان النبوة و الوحى شيء نابع من اللاوعى و الوعى فعلا يعتقد بصدق ذلك الوحى رغم ان هذا الاخير نابع من الداخل (الخيال) و ليس من الخارج (الحقيقة). و هذا رأى متوازن الى حد ما.
-الموقف الثالث هو ان الرسول صادق و ان الذى يذكره حقيقى. اذن حتى لو كان الوحى نابعا من اللاوعى فان ذلك اللاوعى الذى هو اعمق مستويات الباطن هو النقطة الوحيدة التى يمكن ان يتواصل عبرها الوعى مع الخارج.
اذن الربط بين الوعى و الخارج هو ليس عبر (خارج العالم) كما يقول ابن تيمية و لا هو عبر (لا داخل و لا خارج العالم) كما يقول الغزالى بل الربط هو عبر اللاوعى كما يقول جونغ. اذن منفذ الوعى الى الخارج هو عبر اللاوعى و هو اذن ربط طوبولوجى و لهذا السبب فاننى مهتم بفلسفة جونغ و بخاصة التزامنية.
هذا هو موقف الاسلام الوجودى كما افهمه و هنا فاننى اتابع الشيخ دراز (الذى هو افضل من كتب فى علوم القرآن و اعجاز القرآن فى العصر الحديث) اذن اتابعه فى القول فى ان اعظم دلائل النبوة تكمن فى ما يسمى آيات العتاب التى هى اكبر دليل ليس فقط على ان القرآن هو ليس بكلام محمد بل هو كلام من الخارج (اى كلام الله سبحانه و تعالى) بل هى ايضا دليل على عصمته صلى الله عليه و سلم.
هنا نرتب القضايا الاساسية لهذا الدليل كما يلى:
اولا الرسول صادق بالاجماع. فقد كانت قريش تصدقه فى كل الامور الا أنها تكذبه فى الوحى عن الله وهذا من اكبر التناقض. و تذكروا مثلا قصة سبب نزول سورة المسد و تصديق ابى لهب للرسول فى اخباره عن العدو و تكذيبه له فى اخباره عن الله سبحانه و تعالى.
ثانيا الرسول غير متوهم. و قد اعتقد الرسول فى بداية الوحى انه متوهم فكاد ان يتردى -اى يرمى بنفسه- من شواهق الجبال و هو الرسول المعصوم. وحديث التردى كنت اعتقد انه من دلائل نقض النبوة لكننى اعتقد اليوم -بعد تعرفى قليلا على علم النفس عند جونغ- انه من اقوى الدلائل على النبوة.
ثالثا الرسول لو كان مؤلفا لكتاب كغيره من المؤلفين لما راجع ما يكتبه و خطأ نفسه و عاتبها و انتقدها على المباشر فى ما يكتب.
هذا لا نعرفه فى جميع المؤلفين. بل ان بعض آيات العتاب هى مدعاة الى الاخفاء لكنه لم يخفها لانه ليس هو المؤلف بل هو المبلغ.
اذن آيات العتاب هى افضل دليل على ان القرآن ليس تأليفا للرسول صلى الله عليه و سلم بل هو وحى مجبر على ابلاغه (وتذكروا نظرية الجبر على ابلاغ الوحى التى يذكرها مالك بن نبى فى الظاهرة القرآنية و التى كنت بسطت النقاش فيها هنا منذ سنوات).
اذن بالاضافة الى الدليل اللغوى و اعجازه -وهذا يحتاج الى البلاغة و الفصاحة لادراكه-.
و بالاضافة الى الدليل العلمى و اعجازه -وهذا تفسير و تأويل يحتاج الى معرفة بالعلم الطبيعى و الكونى-.
و بالاضافة الى الدليل العددى و اعجازه -وهذا ايضا تفسير و تأويل يرتبط بالعلوم الغمائضية-.
هناك ايضا الدليل المنظوريانى و منه الوعى المنظوريانى -وقد ناقشناه من قبل- وهو ما يعقله و يراه كل مستمع عندما يُقرأ القرآن و منه ايضا الاسلوب القرآنى الذى يختلف عن الاسلوب النبوى و منه ايضا الضمير المتكلم فى القرآن ومنه ايضا -وهذا هو الذى تكلمنا عنه هنا اليوم- آيات العتاب.
ومن آيات العتاب نذكر مثلا:
يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلَاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ فَلَمَّا نَبَّأَهَا بِهِ قَالَتْ مَنْ أَنْبَأَكَ هَذَا قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ
فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا
مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ
عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ
فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِبْكَارِ
وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ
فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ
عَبَسَ وَتَوَلَّى أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى وَهُوَ يَخْشَى فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ فَمَنْ شَاءَ ذَكَرَهُ
إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلً
وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا * إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ وَقُلْ عَسَى أَنْ يَهْدِيَنِ رَبِّي لِأَقْرَبَ مِنْ هَذَا رَشَدًا

No comments:

Post a Comment