LATEX

فلسفة الانجابية-العكسية

 واذا كان الانسان لا يستطيع ان يحمى ابناءه و لا يستطيع ان يضمن حماية ابناءه على هذه الارض فلماذا ينجبهم و يأتى بهم الى هذا الوجود و يتحمل كل ذلك العناء?

هذا سؤال عملى جدا فى ظل الظروف القاتمة التى يعيشها اخواننا فى فلسطين بل فى كل بلد عربى آخر لا تحميه القوة المادية.
فمصيرنا هو مصيرهم احببنا ام كرهنا و علينا اذن الاكثار من الاسباب وجعل نسبة الاسباب الى الدعاء اكبر من واحد و ليست اقل بكثير من الواحد كما هى عليه الآن.
لكن السؤال (هل يجب علينا انجاب ابناء و الاتيان بهم الى هذا الوجود) هو فرع على معضلة الخير و الشر و هو يعرف فى هذا الاطار بمعضلة اللذة و الألم.
هذا سؤال -ككل مسلم بل ككل انسان- لم افكر فيه شخصيا عندما كنت شابا لاننى لم اكن قد تشبعت بعد بالفلسفة الوجودية و لم اكن أعلم او بالاحرى لم اكن اعى كل تلك البراهين و البراهين المضادة للاغنوسية و الدهرية و الربوبية و الابراهيمية و الفلسفة و العلم بخصوص الانسان و الحياة و الدين و الكون و الوجود.
فاننى كنت اعرف مثلا (دون ان اتأثر بالمرة) ان مانى صاحب الديانة الفارسية القديمة التى كانت منتشرة هنا فى المغرب العربى قبل انتشار المسيحية -فمثلا القديس اوغستين كان مانويا ولهذا ربما لم ينجب- اذن كنت اعرف ان مانى كان يدعوا الى عدم الزواج و عدم الانجاب حتى نسرع من انقراض الجنس البشرى و كان هذا الطريق بالنسبة اليه هو الطريق الوحيد للخلاص من الشر و الألم على الارض.
هذه المسألة التى ناقشها مانى قديما هى مسألة فلسفية حديثة ذات وزن معتبر تكتب فيها كتب و ابحاث و تأتى تحت مسمى الانجابية-العكسية anti-natalism.
و فى هذه الفلسفة فان الموقف ضد الانجاب يرتقى الى حد المنع الاخلاقى اى ان انه اخلاقيا لا يجوز الاقدام على انجاب اولاد على هذه الارض لان الضرر الذى سوف نتسبب فيه لهؤلاء الاطفال أكبر من اى نفع ممكن او محتمل.
و وجدت بالخصوص ما يسمى مبدأ اللاتناظر asymmetry argument لدايفيد بنعطار David Benatar وهو فيلسوف من جنوب افريقيا فى غاية القوة.
وهو يقوم بكل بساطة على انه لا يوجد تناظر بين الوجود و اللاوجود و بالخصوص لا يوجد اى تناظر بين اللذة و الألم.
اذن بالنسبة للموجود فان وجود الألم هو دائما شر و ضرر اما وجود اللذة فهو دائما خير و نفع.
هذا واضح.
لكن النقيض غير صحيح لانه ليس هناك تناظر بين الألم و اللذة.
بكل بساطة فانه بالنسبة لغير الموجود فان عدم وجود الألم هو خير و نفع ايضا لكن عدم وجود اللذة فهو ليس سيء.
وهنا يكمن الفرق بين الاتجاهين اى بين الموجود و غير الموجود. انظروا الى الجدول.
اذن من الناحية العقلية-الاخلاقية فانه يمنع دائما الاتيان باولاد الى الوجود على حسب هذه النظرية الفلسفية.
وكما يقول بنعطار فيما معناه (فان احسن حياة يمكن تصورها تحتوى فى حد ذاتها على كثير من الضرر).
حجج بنعطار و ردوده على المعارضين تجدونها فى كتابه (الضرر فى المجئ الى الوجود the harm in coming into existence).
مثلا فهو يقدم حجة اخرى تحت اسم حجة السعادة المتوهمة deluded gladness argument التى تنص على انه بسبب اخطاء الوعى فى وعيه بالكون و بنفسه فان الانسان فى مجمله تجده سعيد فى انه موجود و حى على هذه الارض رغم كل الظروف.
بطبيعة الحال فان بنعطار يقر ان اغلب الناس سيجدون هذه النتيجة منفرة وهذا لسبب طغيان التفاؤل على الطبيعة البشرية لان التفاؤل و ليس التشاؤم هو الذى يتماشى مع التطور و ضرورة البقاء.
اذن هذه المعضلة -معضلة المسؤولية الاخلاقية فى الاتيان بأولاد الى هذا الوجود- هى تعبير عن معضلة الخير و الشر حيث تركز هذه المسألة على قيمتى الألم و المتعة المتوقعتان لمن سنأتى بهم الى الوجود عن طريق الجنس و التزاوج و التكاثر وتغليف كل ذلك بامور بيولوجية-تطورية و امور نفسية-اجتماعية و امور دينية-ميتافيزيقية.
الخلاصة انه حتى نشعر نحن بالسعادة فاننا قد نتسبب فى ضرر شديد لغيرنا و هم اقرب الناس الينا اى اولادنا انفسهم وهذا بانجابنا لهم على هذه الارض مع هؤلاء القساة و عدم قدرتنا على ضمان حمياتهم لا من الانسان و لا من الكون.


No comments:

Post a Comment