LATEX

عناصر من النظرية الكمية

عناصر من النظرية الكمية  

 

بقلم باديس يدري

 

 

التداخل وثنائيةالموجة والجسيم

هل الضوء موجة او جسيم? سؤال قديم قدم الفيزياء في العصور الحديثة. الجواب حسب نيوتن احد اعظم الفيزيائيين في التاريخ هو ان الضوء عبارة عن جسيم.
هذا الرأي تسبب لنيوتن في مشاكل علمية كبيرة عندما اراد ان ينطلق منه لتفسير نتائج تجاربه حول تداخل الضوء.

دعنا اولا نصف تجربة لتداخل الضوء
اجري مثلها اولا نيوتن ثم يونغ ثم اجراها
 غيرهما كثير من الفيزيائيين عبر اجيال ممتدة ومازالوا يفعلون الي غاية يومنا هذا.

 ينير منبع ضوئي نفترض انه نقطي و
احادي اللون حاجز يحتوي علي شقين رفيعين متوازيين يتصرفان بعد مرور الضوء
عبرهما كمنبعين مترابطين للضوء الذي يستقبل  بعد مروره عبرهما علي شاشة موضوعة وراء الحاجز.
من الجلي حتي لغير المختص انه اذا اغلقنا احد الشقين فان الضوء سينعرج عبر الشق الاخرالمفتوح.
 اي ان الضوء بعد مروره عبر الشق المفتوح سوف يرتطم بالشاشة مخلفا نمطا بنفس شكل و حجم الشق نفسه.

 ربما يظن الان انه في حالة ترك الشقين مفتوحين في ان معا فان النمط الذي سنحصل
عليه هو  مجموع النمطين اللذين نحصل عليهما لما نفتح فيها احد الشقين و نغلق الاخر. هذا غير صحيح بالمرة لان ما نحصل عليه
عند فتح الشقين معا هو بالضبط ما يسمي بنمط التداخل و هو يتشكل من اشرطة تسمي
اهداب بعضها شديدة الانارة و اشرطة او اهداب اخري مظلمة تماما كما ان هناك اهداب اخري قليلة الانارة و اخري غير مظلمة تماما.

 اذا كان
الضوء يتكون من جسيمات كما اصر علي ذلك نيوتن (دعنا نسميها فوتونات) فانه
من الصعب جدا تفسير ظاهرة التداخل الانفة الذكر. كيف يمكن لجسيم امامه شق واحد مفتوح ان يصل
الي مكان ما علي الشاشة لا يمكن ان يصل اليه علي الاطلاق لما نفتح كلا الشقين امامه (الاهداب المظلمة).
من الواضح انه لا يمكن لاي جسيم كلاسيكي اي خاضع لقوانين الفيزياء النيوتنية الكلاسيكية ان يتصرف
بهذا الشكل الغريب لكن كما سنري فانه يمكن للجسيمات الكمية اي التي تخضع لقوانين الميكانيك الكمي
ان تتصرف بالضبط علي هذا المنوال. لكن نيوتن لم يكن يعلم هذا الامر في ذلك الوقت
و بالتالي لم يكن له سبيل الي تفسير التداخل بطريقة مرضية بافتراض طبيعة جسيمية للضوء.

التفسير الوحيد الذي كان متاحا في عهد نيوتن و يونغ كان يعتمد علي فرضية ان الضوء هو موجة و علي
مبدأ هيجنز- فرينل. لما يمر الضوء عبر الشقين فانهما يصبحان
منبعين مترابطين للضوء
 اي ان الفرق بين طور(الزاوية الابتدائية للموجة) الموجة النابعة من الشق الاول و طور الموجة
 النابعة من الشق الثاني يبقي ثابت في الزمن.
الفرق في الطور بين الموجتين يتعلق ببعد الشقين عن  الاهداب علي الشاشة. علي الرغم من
ان هذا الفرق لا يتعلق بالزمن
 الا انه قد يؤدي الي تداخل بناء (الاهداب شديدة الاضاءة) لما تنطبق قمم الموجة الاولي مع
قمم الموجة الثانية و قد تؤدي الي تداخل هدام (الاهداب المظلمة) لما تنطبق قمم الموجة الاولي مع احواض الموجة
الثانية او العكس.

التفسير الموجي للضوء و كل الظواهر الكهرومغناطيسية طغي
خلال القرن التاسع عشر الي الحد الذي نسي فيه الكثيرون التفسير الجسيمي
 الذي طرحه نيوتن. لكن مع بداية القرن العشرين
 بدأت القرائن تتراكم
 لصالح الطبيعة الجسيمية للضوء و اهمها علي الاطلاق التأثير
الكهروضوئي الذي اعطي تفسيره الكامل اينشتاين الذي تحصل من اجله فيما بعد
علي نوبل في الفيزياء. في هذا التفسير فان الضوء فعلا مكون من جسيمات
تسمي فوتونات لكن هذه الجسيمات تتصرف بطريقة كمية
لا كلاسيكية. ظاهرة التداخل
يمكن ايضا تفسيرها باستخدام هذه النظرية الكمية للضوء.
  
اذا كان الضوء عبارة عن فوتونات و اذا كان الضوء يتداخل فانه يجب  علي الفوتونات ان تتداخل
حتي لو ارسلناها علي الحاجز الفاصل الذي يحتوي علي الشقين واحدا تلو الاخر عن طريق خفض شدة الضوء الذي يشعه
المنبع الضوئي. اي ان تراكم الفوتونات علي الشاشة مع مرور الزمن سيظهر معه في الاخير نمط التداخل المعروف.  تجربة من هذا القبيل
اجريت لاول مرة من قبل تايلور في عام 1909
بنجاح.

 تفسير هذا الامر و بالتالي تفسير
التداخل ككل بافتراض الضوء عبارة عن حزمة من الفوتونات يقودنا مباشرة
الي الكلام عن اسس الميكانيك الكمي.

حسب الميكانيك الكمي فان اي فوتون مفرد يوصف بدالة نسميها دالة الموجة يمكنها
ان تتداخل بطريقة بناءة او بطريقة هدامة. الفرق بين هذه الموجة و الامواج العادية يكمن في كون دالة الموجة عبارة
عن عدد مركب بدلا من عدد حقيقي. لما يصل فوتون مفرد الي الشقين و احدهما فقط مفتوح
فانه يمكنه ان يسلك طريقا واحدة عبر الشق المفتوح. نرفق بهذه الطريق دالة موجة يعبر مربع طويلتها عن احتمال تواجد الفوتون في اي نقطة من الفضاء. هذا ما يعرف بالتفسير الاحصائي لدالة الموجة الذي اقترحه بورن.

 اذا كان كلا الشقين مفتوحين فان الفوتون له طريقين يمكن
ان يسلكهما. كل طريق مرفق بدالة موجة تعبر عن احتمال تواجد الفوتون
في اي نقطة من الفضاء اذا مر عبر ذلك الشق او عبر الاخر. دالة الموجة الكلية تعطي بجمع الدالتين المرفقتين
بالشقين و هو مبدأ التركيب الخطي في
الميكانيك الكمي. الاحتمال يحسب كما فعلنا في السابق من
اخذ مربع طويلة دالة الموجة و هذا المربع نجد
انه يكون اعظمي في نقاط معينة من الشاشة (الاهداب المضيئة) اين يقع التداخل
البناء بين الدالتين المرفقتين بالشقين
 و انه يكون اصغري في نقاط اخري من الشاشة (الاهداب المظلمة) اين يقع التداخل الهدام بين هاتين الدالتين.

 في الاهداب المظلمة الاحتمال ينعدم اي ان
 الفوتون المفرد لا يمكنه ان يصل الي هذه النقاط
علي الرغم انه كان يمكن ان يصل اليها
لما كانت احدي الفتحتين مفتوحة و الاخري مغلقة. الامكانيات المختلفة
يمكن ان تلغي بعضها البعض كما
انها يمكن
ان تعزز بعضها البعض و هو ما يحدث
في الاهداب شديدة الاضاءة اين تدعم
الامكانيات بعضها البعض بمقدار هو بالضبط ضعف المتوقع.

اذن الفوتون المفرد يمكنه ان يتداخل في الميكانيك الكمي و هو المقصود بثنائية الموجة و الجسيم.
الضوء يتكون من جسيمات هي الفوتونات و كل فوتون يتصرف
بمفرده و كأنه موجة بمعني انه يمكن (بالضبط دالة موجته) ان يتداخل. اي ان الامكانيات المفتوحة
امامه اما ان تعزز بعضها البعض او تلغي بعضها البعض. المناطق التي كانت مفتوحة امام الفوتون تصبح ممنوعة عليه لما وفرنا له طرق اخري للوصول الي تلك المناطق و هو امر اقل ما يقال عنه انه غريب جدا.

من جهة اخري نؤكد هنا ان هذا لا يعني
ان الفوتون المفرد ينقسم عند اقترابه من الشقين عندما يكونان مفتوحان في ان معا لكن  يمكن ان نقول ان دالة الموجة هي التي
تنقسم كغيرها من الامواج و لانها تعرف لنا احتمال وجود الفوتون هنا او هناك فاننا نقول ان الفوتون
يمر عبر الشقين في نفس الوقت.

فايمان اعتبر ظاهرة تداخل الضوء ام الظواهر الكمية
لاشتمالها  علي كثير من المزايا الكمية الاساسية علي الرغم من
بساطتها الشديدة بالمقارنة مع كثير من الظواهر الكمية الاخري. من جهة اخري فانه من الطبيعي ان نتوقع ان ثنائية الموجة و الجسيم يجب ان
 تخضع لها كل الجسيمات الكمية مثل الالكترون كما تنبأ به دي بروغلي و هو فعلا ماتم
التحقق منه تجريبيا بعد ذلك بوقت قصير. 






الحتمية و مبدأ الشك لهايزنبارغ

هل الكون اوالطبيعة او اي شيئ اخر بينهما هو حتمي في تطوره في الزمن? بمعني اذا افترضنا اننا نعرف حالة الكون بالكامل
 في لحظة معينة نعتبرها ابتدائية
فهل يمكننا حساب حالة الكون بالكامل في اي لحظة لاحقة من حل القوانين
 الفيزيائية التي يخضع لها الكون التي نفترض ايضا انها معروفة بكل تفاصيلها. الجواب علي هذا
 السؤال هو بالايجاب في اطار النظريات الفيزيائية
 الكلاسكية مثل قوانين نيوتن للحركة و الثقالة.

علي سبيل المثال فانه انطلاقا من معرفتنا لموضع الشمس و مواضع الكواكب في لحظة زمنية
اولية فاننا يمكننامن الناحية المبدئية حساب حالة المجموعة الشمسية في اي
زمن لاحق انطلاقا من حل معادلات نيوتن. من الناحية العملية قد يكون هذا صعبا جدا لكن من ناحية الاساس فليس
 هناك اي اشكال لاننا نعرف ان اي معادلة تفاضلية (تذكر ان معادلات نيوتن هي معادلات تفاضلية) تقبل حل وحيد بفرض شروط ابتدائية ملائمة.
نقول في هذه الحالة ان حركة المجموعة الشمسية حتمية وهي فعلا كذلك حتي بالمعني الحرفي للكلمة.

الحتمية العلمية في القرن التاسع عشر كانت احد المبادئ الفلسفية الرائجة بسبب الحتمية المتجذرة في كل النظريات الفيزيائية المعروفة في ذلك
الوقت و التي نسميها الان بالنظريات الكلاسيكية.  بعض الفيزيائيين من ذلك العهد مثل لابلاس دفعتهم
 الحتمية الفيزيائية التي لم يتصوروا غيرها الي القول بان الحتمية
يجب ان تكون هي ايضا المبدا الاساسي المتحكم في الظواهر الانسانية و هو ما رفضه و قاومه الكثير من فلاسفة ذلك العصر. من الواضح ان الحتمية كما تقدمها
 الفيزياء الكلاسيكية يمكن ان تتعارض مع مسألة حرية ارادة الانسان و مسؤوليته و حتي مع مسألة قدرة الله سبحانه و تعالي في التأثير علي مجريات العالم.

النظريات الفيزيائية الحديثة
 التي  تصف الجسيمات الاولية وتفاعلاتها الاساسية وتوحيد القوي الكونية و كذلك التي
 تصف فيزياء الاجسام الصلبة و المكثفة هي في معظمها  نظريات ترتكز علي مبادئ الميكانيك الكمي.

 الميكانيك الكمي (او الكوانتي) يعتمد علي وصف الكون او اي جملة اخري التي هي قيد
الدراسة بشعاع في فضاء مركب نسميه فضاء هيلبرت.
 هذا الشعاع يصف حالة الجملة و لذلك نسميه شعاع الحالة و هو يخضع لمعادلة تفاضلية
تسمي معادلة شرودينغر. معرفة شعاع الحالة (و هو مكافئ لدالة موجة الكون اوالجملة) في اي لحظة زمنية اي حل معادلة شرودينغر لا يعطينا
معرفة كاملة بخواص الكون او الجملة في تلك اللحظة. مايوفره لنا شعاع الحالة هو فقط امكانية حساب احتمالات وجود الكون او الجملة في تلك اللحظة الزمنية بتلك او تلك الخصائص.
 اي انه من اجل معرفة حالة الجملة بالضبط علينا اجراء قياس عليها من اجل معرفة اي الاحتمالات قد تحقق في لحظة ما.

 اذن علي الرغم من ان الميكانيك الكلاسيكي هو تقريب للميكانيك الكوانتي الا
 ان الاخير يتعارض مع مبدأ الحتمية بطريقة مبدئية.
 احد اهم القوانين التي تعبر عن اللاحتمية الكائنة في اسس الميكانيك الكمي هو قانون الشك لهايزنبرغ.
هذا المبدأ يؤكد علي انه حتي
عند اجراء قياس علي الجملة من اجل تحديد خواصها فان هناك
حد ادني للدقة المتاحة في القياس و هو تقرير لا يتعلق بالجملة او اجهزه القياس او غير ذلك من القيود التي يخضع لها الملاحظ
 لكنه تقرير عن القوانين الفيزيائية علي المستوي الكمي. علي سبيل المثال فان قياس موضع الكترون
 بدقة متناهية عبر قصفه بفوتون ذو سرعة كبيرة يؤدي الي حمل قيمة غير معينة و كبيرة من السرعة اليه و بالتالي فان كمية حركة الالكترون (اي السرعة في الكتلة) تصبح غير متعينة. من الجهة الاخري
فان قصف الالكترون بفوتون ذو سرعة ضعيفة لا يغير كثيرا من كمية حركة الالكترون لكن
 موضعه لا يتعين بصورة جيدة في هذه الحالة. قانون الشك لهايزنبرغ يقرر بان هناك قيمة
 دنيا لحاصل ضرب الارتياب في الموضع و الارتياب في كمية الحركة تساوي نصف ثابت بلانك المختصر.

كثير من الناس حتي من بين الفيزيائيين انفسهم يعتقدون ان
قانون الشك لهايزنبرغ هو ناجم عن القيود الاعتيادية علي الملاحظ و علي اجهزة القياس اي ان الاضطراب
الذي يدخل الجملة عند قياسها هو ما يؤدي الي هذا الحد الادني من الدقة المتاحة. هذا في الحقيقة غير صحيح بالمرة لان هذا الارتياب
سوف يدخل علي الجملة عند قياسها حتي لو تصورنا عملية قياس مثالية اي عملية لا ترافقها
اية اضظرابات و هو امر يمكن تحقيقه نظريا بدون مشاكل.