LATEX

نظرات وجودية-ايمانية


خلاصة الامر ان (الوعى-الموجود هو سقوط حر فى الواقع فى حقل العبثية) و (العبثية هى ثقب اسود ميتافيزيقى يمكن ان يضيع فيه الوعى لو عبر افق الحدث) اذن (الوعى يتحاشى بالايمان فى شيء من ثقب اسود العبثية) لكن (الوعى يجد نفسه مجذوب نحو ثقب اسود الموت فيؤصله بالايمان مرة اخرى). وهكذا يصل الوعى الى الايمان ثم الى العقل. 


المحتويات:

النظرية الاساسية و النظرية الفعالة

الوعى و الثقالة كلاسيكيان: لماذا?

الفكرة الدينية هى خيال صعب -تفسير ابن عربى-

ايمان كارل جونغ

النفس عند جونغ

الغزالى و تولستوى و دوستويفسكى

آدم الفضائى

الثنائية الوجودية-الايمانية

نظرية التطور هى المسيح الدجال

فرضية الوعى الواحد

نظرية التطور (المسيح الدجال) و الكون (الشيطان)

مستويات الحضارة و كرة ديزون و صانع النجوم

وحدانية  الله و وحدة الوعى و (توحد الوعى الممتاز): تفسير (قل هو الله احد..) و (ليس كمثله شيء..) و (ما قدروا الله حق قدره..)

الجبرية و القدرية و السنة: شرح آية الميثاق و القدر المنظوريانى و الثلاثية (ذكاء الهى-ذكاء انسانى-ذكاء اصطناعى).

الحياتان و الموتان


النظرية الاساسية و النظرية الفعالة

نتحدث كثيرا فى الفيزياء عن الثنائيات dualities خاصة بعد مجيء الميكانيك الكمومى فى بدايات القرن العشرين بأول ثنائية هى ثنائية الموجة-جسيم wave-particle duality.
اذن الثنائية تعنى ان الواقع هو فى حقيقته ثنائى و ليس احادى اى انه فى بعض الاحيان فان الجملة الفيزيائية الكمومية تتصرف فعلا كجسيم بموضع محدد لكن بكمية حركة غير متعينة و فى بعض الاحيان الاخرى فان نفس الجملة تتصرف فعلا كموجة بكمية حركة محددة لكن بموضع غير متعين.
وهذا مؤكد تجريبيا و تقوم عليه كل فلسفة الميكانيك الكمومى.
و على ما يبدو فان أب الميكانيك الكمومى و أبانا العملاق بوهر Bohr جاء بهذه الفكرة و بالفكرة الاخرى الاعمق فكرة التكامل complementarity من عند النفسانى الكبير ويليام جايمس William James.
الفيزيائيون الاوائل تعلموا الكثير من النفسانيين. واننى اقول ان اعظم العلوم هو علم النفس و اعظم الفلسفات هى ايضا علم النفس.
التكامل يعنى بكل بساطة ان هناك تكامل و ليس تناقض بين وجهى الثنائية. اذن هناك تكامل بين الفضاء-زمن (الجسيم, الموضع, السكون و التوازن) و بين السببية (الموجة, كمية الحركة, الحركة و القوة).
اذن هاتين فكرتين عظيمتين (الثنائية و التكامل) وهما موجودتين فى الفلسفة.
لكن الثنائية و التكامل وجدتهما غير كافيتين فى مسائل الفلسفة الايمانية و علاقتها بالوجودية.
الايمان و كذا الوجودية لا يحبذان تشاركية الثنائية بل من طبيعتهما الهيمنة و الاحادية و بخاصة الايمان.
الفيزياء تأتى بفكرة اخرى لا تشبه الثنائية مطلقا لكن قد تؤدى بنا الى التطور الفكرى-الايمانى الايجابى.
الفيزياء النظرية تقول ان هناك (نظرية فعالة effective theory) لكن هناك ايضا (نظرية اساسية fundamental theory).
مثلا الميكانيك الكلاسيكى هو نظرية فعالة فى السرعات الضعيفة تعوضها النسبية الخاصة كنظرية اساسية فى السرعات المرتفعة.
الميكانيك الكلاسيكى هو ايضا نظرية فعالة فى الحقول الثقالية الصغيرة تعوضها كنظرية اساسية النسبية العامة كنظرية اساسية فى الحقول الثقالية الكبيرة.
النسبية الخاصة نفسها نظرية فعالة فى الانحناء المهمل تعوضها كنظرية اساسية النسبية العامة فى الانحناء الكبير.
الميكانيك الكلاسيكى مرة اخرى هو نظرية فعالة فى الابعاد الماكروسكوبية تعوضها نظرية الميكانيك الكمومى فى الابعاد الميكروسكوبية.
والترموديناميك هو نظرية فعالة فى الظواهر الحرارية الماكروسكوبية يعوضها الميكانيك الاحصائى فى الظواهر الميكروسكوبية الذى يعوضه هو الاخر الميكانيك الكمومى فى الظواهر الميكروسكوبية الكمومية.
وهكذا.
اذن نظرية فعالة قد تلعب دور اساسى فى ريجيم او نطاق معين لكن عندما نخرج من ذلك الريجيم فان نظرية اخرى يجب ان تعوضها كنظرية اساسية.
حتى الميكانيك الكمومى فهو نظرية فعالة فى غياب التأثيرات النسبية و عندما نضيف هذه التأثيرات نستعمل الميكانيك الكمومى النسبى و عندما نحتاج الى التأثيرات الحقلية فانه يجب ان نستعمل نظرية الحقول الكمومية و هكذا ليس الى ما لانهاية لكن حنى نصل الى نظرية الثقالة الكمومية التى هى النظرية الاساسية للواقع المادى يمتزج فيها الكمومى و النسبى بشكل نهائى و كامل.
اذن النموذج القياسى للجسيمات الاولية هو مثلا نظرية اساسية بالنسبة للكهرومغناطيسية الا انه نظرية فعالة بالنسبة للنظريات التوحيدية الكبرى التى هى فى حد ذاتها نظرية فعالة بالنسبة لنظرية الثقالة الكمومية و هكذا.
اذن هذه هى فكرة النظرية الاساسية و فكرة النظرية الفعالة من الفيزياء النظرية.
نبدأ من نظرية فعالة و نطورها فتصبح اكثر اساسية و نواصل هذه العملية حتى نصل الى ابعاد بلانك اين يجب ان تعيش نظرية الثقالة الكمومية التى يمكنها ان تصف (الثقوب السوداء) و (مفردة الانفجار الاعظم) و (علاقة الوعى بالفيزياء).
لنتبنى هذه الفكرة فى الفلسفة.
اذن مثلا اقول فى مسألة حرية الارادة و الفعل فى الانسان ان (الانسان حر) هى نظرية فعالة تصلح فى الريجيم الذى يعيش فيه الانسان لكن النظرية الاساسية هى ان (الكون جبرى حتمى قهرى) فى الريجيم الالهى.
هذا افضل من القول بأن هناك ثنائية بين الحرية و الجبر.
مثال آخر.
الشر و العبث هو نظرية فعالة فى الريجيم الانسانى و الكونى لكن النظرية الاساسية هى ان الخير و الحكمة هى النظرية الاساسية فى الريجيم الالهى.
مثال آخر.
الوعى هو مادى يهيمن عليه الموت هذه هى النظرية الفعالة التى تصلح فى الريجيم الكونى لكن النظرية الاساسية هى ان الوعى هو مثالى يمكنه ان يقهر الموت فى الريجيم الالهى.
اذن الوجودية هى النظرية الفعالة بالنسبة للانسان و الكون لكن النظرية الاساسية هى الايمان وهذا افضل من القول ان هناك ثنائية بينهما.
وهذا اول عرض لهذه الفكرة سنطوره ان شاء الله فى قادم الايام باذن الله.

الوعى و الثقالة كلاسيكيان: لماذا?

لماذا من بين جميع القوى الكونية التى نعرفها نجد فقط (قوة الجذب الثقالى) و (قوة الوعى) هما من يقاوم عملية التكميم quantization اى تحويل القوة من قوة كلاسيكية تخضع الى قوانين نيوتن الى قوة كمومية تخضع لقوانين الميكانيك الكمومى?
نحن نعتقد ان الطبيعة -كل ما فى الطبيعة- يجب ان يخضع الى الميكانيك الكمومى و لهذا فاننا نحاول تكميم قوة الثقالة و تكميم قوة الوعى مع فشل شديد فى كلا المحاولتين.
قوة الجذب الثقالى هى فى الحقيقة هندسة الفضاء-زمن وهذا ما علمنا اينشتاين.
اى انه لا توجد فى الحقيقة قوة جذب ثقالى بل كل ما هنالك هو هندسة الفضاء-زمن و حركة الاجسام فى هذه الهندسة التى تريد ان تبقى هندسة كلاسيكية و لا تتحول الى هندسة كمومية منسجمة مع قوانين الميكانيك الكمومى لبوهر و هايزنبرغ و شرودينغر و ديراك و باولى.
بنفس الطريقة فان قوة الوعى هى فى الحقيقة ليست الا هندسة العقل مثلما ان قوة الثقالة هى ليست الا هندسة الفضاء-زمن.
الوعى اذن هو نطاق وجودى اضافي يختلف عن نطاقى الزمن و الفضاء -وهذا كان يقوله العملاق النفسانى جونغ منذ اختلف مع فرويد-.
الوعى من الجهة المادية موجود فى الفضاء-زمن اما من الناحية المثالية فهو موجود فى نطاق آخر خارج الفضاء-زمن. اذن نحن نتنبنى هنا ضمنيا بله صراحة ثنائية عقل-جسم على منوال العملاق العقلانى ديكارت لكن ليست هى بالضرورة الثنائية الديكارتية
هذه الهندسة الوعيوية -هندسة نطاق الوعى- يجب ان تحقق شروط معينة حتى يتحقق التعقل.
مثلما ان هندسة الفضاء-زمن يجب ان تكون هندسة ريمان -العملاق الرياضى- والا فان قوة الثقالة لا يمكن ان تتحقق (هذا فى الحقيقة هو نص مبدأ التكافؤ).
بنفس الطريقة فان هندسة الوعى يجب ان تكون هندسة مخصوصة دعنا نسميها هندسة جونغ-ريمان حتى تتحقق الكواليا (الوعى الظواهرى) و العقل و اللغة و القصد و حريتى الارادة و الفعل.
فالحيوانات مثلا لديها وعى لكن ليس لديها عقل اى ان هندسة الوعى عندها ليست هندسة جونغ-ريمان بل اى اقل شروطا وهذا مثلما ان الفضاءات الطوبولوجية هى عموما اقل شروطا بكثير من فضاءات ريمان اذن لا يمكن ان تنبعث فيها قوة الجذب الثقالى.
اذن هذه الهندسة الجونغية-الريمانية النفسية تريد ان تبقى هندسة كلاسيكية مثلما ان هندسة ريمان الرياضية تريد ان تبقى هندسة كلاسيكية.
هذه الهندسات النفسية و الرياضية يبدو انها تعشق منطق ارسطو الكلاسيكى و لا تريد ان تتحول الى منطق فون-نيومان الكمومى.
وهذا عكس هندسات القوى الكونية الثلاثة الاخرى.
الكون اذن يبدو انه يريد ان يكون نفسى و مادى فى آن معا مثلما انه يريد ان يكون ثقالى و غير ثقالى فى آن معا مثلما انه يريد ان يكون كلاسيكى و كمومى فى آن معا.
هذا الكون يريد كل شيء.
ونرجع الى بداية السؤال لماذا قوة الثقالة و هندسة الفضاء-زمن يريدان الوقوف مع الوعى و العقل و ليس مع القوى الكهرومغناطيسية و النووية و الاشعاعية عندما يكون الموضوع ميكانيك الكمومى.
أليس هذا غريب جدا. أليست الثقالة و الهندسة اقرب الى المادة من الوعى و العقل.

الفكرة الدينية هى خيال صعب -تفسير ابن عربى-

البعض يدعى ان المعرفة تنقسم الى الفلسفة لكن المؤكد ان هناك العلم.
والعلم ينفسم الى شيئين عظيمين هما الطريقة العلمية (التى تعتمد على التجربة و الرياضيات و الرصد و التحليل) لكن هناك ايضا الخيال العلمى الصعب.
قد يقول البعض ان الخيال العلمى الصعب هو ادب. اقول لا. بل هو علم اولا قبل ان يكون ادب. الخيال العلمى السهل قد نتساهل معه و نقول انه ادب لانه اقرب الى الفانطازيا.
اذن هناك فى العلم من جهة الطريقة العلمية و من جهة الخيال العلمى الضعب.
الفلسفة يقول البعض انها تنقسم الى شيئين عظيمين هما الطريقة الفلسفية و هناك الخيال الفلسفى الصعب.
هنا نتبنى فكرة نيتشة ان كل الفلسفة هى وجهة نظر او ما يسميها هذا الفيلسوف-الاديب الفذ (منظوريانية).
اذن حسب هذا الرأى فان جميع الفلسفة هى فى حقيقتها (خيال فلسفى صعب) لان الطريقة الفلسفية لا يمكن ان تؤدى الا الى الخيال -عكس الطريقة العلمية التى تحت الشروط الصحيحة قد تؤدى الى الواقع-.
بل اننى اقول ان كثير من الفلسفة لا ترقى حتى الى هذا المصاف فهى على التحقيق خيال فلسفى سهل اقرب الى الفنطازيا الفلسفية.
نأتى الآن الى الفكرة الدينية هل هى علم او فلسفة?
هل الخيال الدينى الصعب هو كل ما عندنا فى الحقيقة اما ان الخيال الدينى الصعب هو كل الفكرة الدينية وهو واقع?
هنا سوف اتبنى القفزة الايمانية لكريغارد و اتبنى فكرة ابن عربى -فيلسوف الحقيقة كما يسميه البعض- و اقول ان مجمل الفكرة الدينية هى بالفعل خيال فلسفى صعب لكن ذلك الخيال الصعب هو الواقع.
فعند ابن عربى عالم الخيال هو اعلى من عالم الحس لكنه اقل من عالم الروح.
اذن عالم الخيال هو وسط بين هذا العالم المادى و العالم الروحانى وفى هذا العالم (عالم الخيال) يقع الكشف و الوحى و كل تلك الغيبيات.
وفكرة (عالم الخيال) ترجع فى اصولها الى فلسفة ابن سينا و تبناها حتى الغزالى فى كتاباته الروحانية.
وكما ذكرت فى فكرة قديمة لى فان الوعى يستطيع ان يعيش بين العالمين فالوعى كما اقول هو تركيب خطى للمادة و الخيال و تلك هى النفس.
ولان عالم الخيال اعلى من عالم المادة فهو اكثر واقعية منه و عليه فان فكرة ابن عربى -او فى الحقيقة فهمى الشخصى لابن عربى- فى ان (الفكرة الدينية هى خيال صعب) لا ينتقص ابدا من قيمتها الحقيقية بل هو بالفعل يعطيها قيمتها الحقيقية بأن جعلها اعلى من الواقع المادى.



ايمان كارل جونغ


و من اعظم مقولات كارل جونغ Carl Jung قوله:
(أنا لا احتاج الى الايمان, انا أعرف
I do not need to believe, I know).
اذن جونغ مكتفى بالمعرفة و العلم عن الاعتقاد و الايمان.
لكن من اين جاءته هذه المعرفة و من اين جاءه هذا العلم.
لو كان الغزالى او ابن عربى لقلنا هو (الفتح و الكشف).
و لو كان ابن سينا او ابن رشد لقلنا هو (العقل و النظر).
و لو كان ابن تيمية او ابن القيم لقلنا هو (الحديث و السلف).
لكن الحقيقة ان جونغ ليس صوفيا مثل الغزالى و ابن عربى و لا هو عقلانيا مثل ابن سينا و ابن رشد و لا هو مؤمنا مثل ابن تيمية و ابن اليقيم.
لكن الحقيقة ان جونغ هو صوفى من نوع ما و هو عقلانى من نوع آخر وهو مؤمن ايضا من نوع ثالث.
الحقيقة الاكبر ان جونغ هو روحانى-نفسانى يختلف عن الغزالى و ابن عربى اللذان هما روحانيان-متألهان و عن ابن سينا و ابن رشد اللذان هما روحانيان-فلسفيان وعن ابن تيمية و ابن القيم اللذان هما روحانيان-سلفيان.
الحقيقة ان جونغ -وهو اعظم نفسانى عرفه التاريخ بدون منازع- لا يحتاج الى الايمان و الاعتقاد لأنه يعرف و يعلم ان الله موجود بوعيه.
اذن -الوعى- هو محور و مرتكز علم و معرفة كارل جونغ بالله سبحانه و تعالى و هو فعلا لا يحتاج من اجل الانطلاق لا الى الايمان و لا الاعتقاد.
اذن الوعى اكثر اساسية من الايمان.
فكما ان هناك وعى نبى مثل محمد و عيسى و هناك وعى عبقرى مثل نيوتن و اينشتاين و هناك وعى عارف بالله مثل الغزالى و ابن عربى فانه هناك وعى غريزى يرى بالغريزة المخلوقة فيه مباشرة الله سبحانه و تعالى بدون الحاجة الى رسم الادلة العقلية و النقلية و الكشفية.
هذه الغريزة هى ليست الفطرة لان الجميع ولد على الفطرة لكن الجميع لا يستطيع ان يرى ما رآه جونغ الا بعد تقليد او رسم ادلة عقلية او نقلية او بعد كشف و فتح لا يدرك كنهه الا من عانى ذلك الكشف و الفتح.
اذن هذه الغريزة هى غريزة مخصوصة جدا ليست موجودة الا عند قلة من البشر مثل جونغ.
اذن هذا هو جونغ.
هو يقول ان هناك وعى يرى الله و الغيب مثلما ان هناك وعى يرى الرياضيات و الفيزياء رؤية غريزية لا تحتاج لا الى عقل و لا الى نقل و لا الى كشف.
اذن الوعى اكثر اساسية من الايمان.
فكما ان هناك وعى يرى الرياضيات و الفيزياء بدون اى تعب و نصب فهناك وعى يرى الله مباشرة بدون تعب او نصب دون ان يكون بالضرورة وعى نبى او وعى عارف بالله او وعى مقلد.
اذن هناك طريق رابع نحو الايمان هو هذه المنظوريانية الغريزية التى يخلق عليها فطريا بعض الوعى و ليس جميعه.
هذا الطريق الرابع هو طريق الوعى-الذى-يرى-الايمان عكس الطريق الغالب -طريق المقلدين- الذى هو طريق الايمان-الذى-يعتقد-انه-يرى-الوعى.
اذن كما ان هناك قلة قليلة جدا من الانبياء و قلة اكبر من العباقرة و العارفون فان هناك قلة اكبر قليلا منهما من الوعى-الذى-يرى-الايمان.
اما بقية البشر فهم الايمان-الذى-يعتقد-انه-يرى-الوعى فبعضهم يقول (لا اله الا الله) وهذا حق وقعوا عليه بالتقليد فقط اما بعضهم الآخر يقول (لا الله الا الكون) و بعضهم الآخر يقول (لا اله الا الانسان) اما البعض الآخر فيقول صراحة دون مجاملة (لا اله الا الشيطان).

النفس عند جونغ


حسب جونغ Jung فان النفس تتشكل من اربعة اقسام هى:
-الهوية ego وهى النفس كما ترى نفسها. اى النفس كما تحب ان ترى ذاتها.
-الذات self وهى النفس على حقيقتها.
-الشخصية persona وهو الجزء من النفس الذى يظهره الانسان للآخرين حتى يعيش.
-الظل shadow وهو الجزء من النفس الذى يخفيه الانسان عن الآخرين حتى يعيش. بل الظل هو الجزء الذى يخفيه الانسان حتى عن نفسه.
الظل هو الجزء الشرير من النفس اما الشخصية فهى الجزء الذى يعرضه الانسان على المجتمع وهى اذن مثل القناع.
اذن الظل هو جزء حقيقى ختى لو لم تكن النفس واعية به اما الشخصية فلا يعتد بها فى الوعى لانها قناع قط.
اذن الظل هو الشر/الحرية او الشيطان.
اما الهوية فهى ما يطمح ان يكون عليه الانسان يوما ما. فهى صورة غير حقيقية تتبناها او تتمناها النفس عن نفسها.
الهوية هى اذن الوعى/العقل او الانسان.
اما الذات فهى حقيقة النفس اى الروح. هذا هو الجزء الخير فى الانسان الذى تشوهه و تشوش عليه الحرية و العقل.
الذات هى اذن الخير او الله.
الذات هى الله وهو الخير و الظل هو الشيطان وهو الشر و الهوية هى الوعى وهو الانسان.
وهذا تفسيرى الخاص لاقسام النفس عند جونغ.

الغزالى و تولستوى و دوستويفسكى

و من اعظم الكتب التى وُفقت الى الاطلاع عليها و كان لها تأثير كبير على رؤيتى و طريقة تفكيرى هى ثلاثة اعترافات عميقة و صادقة غير مسبوقة فى التاريخ الانسانى.
اولا (المنقذ من الضلال) ل (حجة الاسلام ابى حامد الغزالى) الذى يحكى فيه بصدق و عمق سيرته الذاتية و تطور فكره و ايمانه ابتداءا من علم الكلام ثم الى الفسلفة ثم الى علم الباطن و اخيرا الى علمى التصوف و الحديث.
الغزالى لم يرتضى لا علم الكلام بجفافه و لا الفلسفة اليونانية بعقليانيتها و روحانيتها و لا غموض علم الباطن منهجيا و عقائديا ثم ارتضى فى الاخير طريقة التصوف على طريقة الحديث النبوى.
هذا الاعتراف من الغزالى كان اول الاعترافات التى اطلعت عليها و شغفت بها الى حد كبير.
ثم قرأت بعد ذلك اعتراف تولستوى فى كتابه المعنون (اعتراف) فبهتت اكثر مما بهتت من الغزالى.
وتولستوى هو اديب فيلسوف-اجتماعى احد الكبار الثلاثة الروس و احد اعظم الادباء-الفلاسفة فى التاريخ.
تولستوى هو رجل مسيحى ارثوذكسى غير متدين لكنه روحانى الى اقصى الحدود. وهذا يجب مقارنته بالغزالى الذى هو بالاساس عالم و فقيه متدين بالضرورة لكنه يشترك مع تولستوى فى أهم شيء وهى الروحاينة الصادقة و العميقة التى تتخلى شغاف النفس.
روحانية تولستوى لم تستغ المسيحية و لا الارثوذكسية ولا الالحاد. بل ان الذى دفعه الى الالحاد اصلا هو التثليت المسيحى.
تولستوى لم يرتضى ايضا كل البراهين العقلية الموجودة على وجود الله لانها بكل بساطة هى كلها براهين عقلية جافة ينقصها اهم شيء يجب ان يتحلى به الايمان وهو الروحانية.
اذن يحكى تولستوى فى كتابه (اعتراف) رحلة بحثه عى الله وهى رحلة شاقة جدا و لم يصل فى الاخير الا الى الايمان بأن الله هو الحياة و ان الحياة هى الله و هذا نوع من وحدة الوجود على طريقتى ابن عربى و سبينوزا و التى يجب فهمها بطريقتهم حتى لا نقصر فى ادراك الفلسفة الحقيقية لهؤلاء الفلاسفة-العارفون .
كل شيء فى برهان او اعتراف تولستوى يدور جول الخوف بل الهلع من الموت. و كل الاطمئنان و الرضا لا يمكن ان نجده الا فى الحياة. اذن الله هو الحياة و الحياة هى الله.
وهنا فان الحياة يقصد بها الكون فى مجمله بكل ما يحتويه و بقدرته (اى هذا الكون) على تجلية الحياة فيه عبر قوانينه السببية و الفيزيائية و التطورية.
و قد رجع فى الاخير تولستوى الى المسيحية لكنه لم يرجع ابدا الى التثليت كما يذكر ذلك صراحة.
فى الحقيقة فان اعتراف تولستوى هو اعظم من اعتراف الغزالى.
ثم جاء دوستويفسكى باعترافه وهو اعظم من اعترافى تولستوى و الغزالى معا.
دوستويفسكى هو اديب فيلسوف-نفسانى روسى وهو ايضا احد الروس الثلاثة الكبار وهو ايضا احد اعظم الادباء-الفلاسفة فى التاريخ.
اذا كان الغزالى يركز على الارادة الالهية فان تولستوى يركز على ارادة المجتمع اما دوستويفسكى فانه يركز على ارادة النفس الانسانية وهذا اهم بكثير بالنسبة لنا نحن الاناس البسطاء.
اعتراف دوستويفسكى جاء فى قالب رواية كانت هى الاولى فى مجموعة رواياته الكبرى -التى كتبها فيما بعد- هذه الرواية هى رواية (اعتراف من القبو).
اذن هذه الاعتراف جاء على لسان ما أصبح يعرف ب (رجل القبو) بطل الرواية الذى يمثل فى رأيى -بشكل او بآخر- دوستويفسكى نفسه.
دوستويفسكى هو ليس عالم و فقيه مثل الغزالى وهو ايضا ليس ارستقراطى تقليدى-ثم-ملحد-ثم-مؤمن مثل تولستوى بل هو رجل عادى بايمان تقليدى ليس لديه مشكلة اساسية مع الدين و لا مع التدين و لا هو مهتم لا بالايمان و الالحاد.
اذن هو فعلا يعبر عنا اكثر.
اعتراف (رجل القبو) على لسان (دوستويفسكى) يدور كله حول (الوعى) الذى يعتبرانه اى رجل القبو و دوستويفسكى (خطأ كونيا) ما كان يجب ان يكون فى هذا الكون.
وهذا الوعى لا يمكن ان يكتمل الا باشياء اهمها الحرية و العذاب و الشر.
اذن حسب (رجل القبو) فان اغلى شيء بالنسبة للانسان هى الحرية و انه يريد تلك الحرية لانه يريد فعل كل شيء خير او شر.
وان هذه الحرية و هذا الوعى لا يمكن لهما ان يكتملان الا بالعذاب و الالم و الشر.
بل ان (رجل القبو) يريد ان يفعل الشر حتى يشعر بانسانيته لكنه يجد نفسه غير مقتنع انه شرير فعلا.
هذا الاعتراف من (رجل القبو) على لسان (دوستويفسكى) يعتبر اول اعتراف ادبى وجودى كما يذكر نيتشة ثم استخدمه فرويد كنموذج للتحليل النفسى و كتب فيه هو الآخر كتابا ضخما.
اذن اذا كان الغزالى هو وجودى ايمانى و تولستوى هو وجودى حياتى فان دوستويفكسى هو وجودى نفسى و هذا اكثر اساسية لان النفس او الوعى هو اساس الحياة و الوجود (وليس العكس) و الوعى و الحياة هما اساسا الايمان.


آدم الفضائى

كيف تنسجم قصة آدم عليه السلام مع الجزء العلمى الصلب لنظرية التطور?
اولا اقول ان (معضلات الوعى) ستكون بداية جديدة و ثورة شاملة فى الفيزياء لكنها فى نفس الوقت ستكون نهاية و فناء الجزء الميتافيزيقى-التفسيرى لنظرية التطور.
اما الفلسفة فمصيرها سيكون بحسب موقفها, هل ستتبع طريق الفيزياء الصارم-المتسامح ام تتبع طريق البيولوجيا الذى يتم بالصرامة فى غير-المهم و بالتسامح فى المهم.
ثانيا اقول ان الجزء العلمى الصلب فى نظرية التطور يعتمد على 4 عناصر اساسية (من التاريخ الطبيعى لدينا الانتقاء الطبيعى natural selection و من علم المورثات genetics لدينا الطفرة mutation و الانحراف الجينى genetic drift و التدفق الجينى genetic flow) بالاضافة الى عناصر الفيزياء الاساسية الزمن و التغير و الصدفة.
اذن امتزاج علم المورثات (وهو علم بيولوجى صلب يعتمد على التجربة و الرصد) مع التاريخ الطبيعى (وهو علم تاريخى صعيف مملوء بالتفسير) هو الذى يعطى نظرية التطور.
اما كيف ينسجم آدم مع التطور فهنا ساعطى نموذج جديد لكن بعض عناصره مستمده من (علم المستحثات الفضائى paleo-contact) وهو شبه-علم pseudo-science و ليس علم يبحث فى فكرة ان اصل الحضارة الانسانية و الدين و العلم و الفلسفة على الارض هو فضائى اى جاء به فضائيون الى الارض.
فمثلا حضارة سومر التى هى اقدم حضارة بالاجماع اصلها ما يسمى الانوناكى وهم فضائيون من كونب نيبيرو وهكذا.
اذن فى اطار هذه العلم (الباليو-كونتاكت) فان الاديان و الحضارة و اللغة كلها اصلها فضائى.
بكل بساطة الوعى كما نعرفه فضائى و ليس ارضى ناجم عن التطور.
اقول اذن ان آدم عندما هبط من الجنة فانه لم يهبط الى هذه الارض بل هبط الى كوكب آخر.
اذن هذه الارض التى نعيش عليها هى الارض 2,0 اما ارض آدم فهى الارض 1,0.
اذن تكاثرت ذرية آدم على الارض 1,0 و كفروا و ظلموا و طغوا الى غاية عصر نوح.
وقد كانوا قوما معمرين. اذن على الارض 2.0 كان الناس يعمرون حتى وصلوا الى عهد نوح عليه السلام الذى دعا قومه 950 سنة من سنوات الارض 1,0 ثم وقع الطوفان عقابا لذرية آدم و قد كان طوفانا كونيا قضى على الحياة كلها على الارض 1,0.
لكن نوح بنى الفلك الذى هو سفينة فضائية و ليست هى سفينة بحرية كما يتصور الجميع.
وسافر بمن نجى معه فى هذا الفلك عبر الفضاء حتى رست على الجودى الذى هو هذه الارض 1,0.
ولهذا فليس هناك اى اثر للطوفان نجده اليوم على الارض 2,0 لان الطوفان وقع على الارض 1,0.
اذن وقع الهبوط الثانى الذى هو هبوط نوح على الارض 2,0 و وجد نوح على الارض الانسان الهومواراكتوس (القائم) و غيره من انواع الانسان المتطور الاخرى التى انقرضت و لم تبقى على الارض الا ذرية نوح التى هى الانسان الهوموسابيان (الحكيم).
اذن الوعى جاء مع الهوموسابين من الارض 1,0 و لم يتطور من الهومواراكتوس الذى كان على الارض 2,0.
اذن كما ان الزمن انبعث من لاشيء عند الانفجار الاعظم حسب نظريات الفيزياء النظرية و الكوسمولوجيا.
والحياة لا يمكن ان توجد الا فى هذا الحقبة من عمر الكون حسب المبدأ الانطروبيكى.
ثم بزغت الحياة على الارض حسب قوانين نظرية التطور الآنفة الذكر منذ ملايين السنوات.
اما الوعى فانه لا يمكنه ان ينجم لا من الفيزياء و لا من البيولوجيا.
الوعى خطأ كونى لا يجب ان يكون اذا كانت كينونته من هذا الكون فقط.
اذن الوعى نجم مثل الزمن من اللاشيء بفعل الله سبحانه و تعالى و ليس بفعل الفيزياء و التطور و الكون.
وبهذا فقط نرى ان الوعى ليس خطأ كونيا. و كما قال الله سبحانه و تعالى (أفحسبتم انما خلقناكم عبثا وانكم الينا لا ترجعون),
وهذه النظرية التى قدمتها هنا هى من اكثر الثنائيات قصوية التى قدمتها حتى اليوم فهى ثنائية تجمع بن آدم و التطور.

الثنائية الوجودية-الايمانية

الثنائيات تملأ الفيزياء و الفلسفة.
من اشهر الثنائيات فى الفلسفة الثنائية عقل-جسم فى فلسفة العقل التى تنص على ان العقل او الوعى هو شيء مختلف جوهريا عن الجسم او المادة.
ومن اول الثنائيات فى الفيزياء الثنائية موجة-جسيم فى الميكانيك الكمومى التى تنص على ان كل جسيم هو مرفق بموجة و هذه الموجة يعطى مربغ طويلتها احتمال وجود الجسيم فى هذا المكان او ذلك المكان من الفضاء-زمن.
اما الثنائية التى ادعوا اليها هنا فهى الثنائية الوجودية-الايمانية.
فالايمان يلعب دور الجسيم.
والوجودية تلعب دور الموجة.
اذن وجودية الوعى تقيس درجة ايمان الوعى فى كل نقطة من الفضاء-زمن.
والعلاقة هى أنه كلما زادت الوجودية نقص الايمان و كلما نقصت الوجودية كلما زاد الايمان.
اذن الايمان هو احتمالى و احتماله يقيسه مقدار وجودية الوعى.
ولا يصبح الايمان يقينى الا اذا انعدمت الوجودية.
وهذه الخلاصة هى ما وراء كل فلسفة الوجودية-و-الايمان.
نحن نريد ان نذهب بدرجة الوجودية الى اصغر قيمة ممكنة حتى يبلغ الايمان اكبر قيمة له و الحالة المثلى -حالة الصحابة- هو ان الوجودية هى صفر عندهم و لهذا فان ايمانهم يقينى.


نظرية التطور هى المسيح الدجال

(نظرية التطور) و (الفكرة الدينية الابراهيمية) لا يمكن ابدا الجمع بينهما فهما فكرتان متناقضان ميتافيزيقيا.
اذن ليس هناك بد من الاختيار. و عليه فاننى اختار الايمان بانبياء الله ابراهيم و موسى و عيسى و محمد و لا يهم ان نظرية التطور تحتوى على جزء علمى صلب لا غبار عليه.
بكل بساطة فان نظرية التطور هى اكثر النظريات العلمية التى يمتزج فيها اكبر قدر و اعمق قدر و اخطر قدر من الميتافيزيقا الدهرية.
فحتى الفيزياء بجلال قدرها لا تفعل ما تفعله نظرية التطور من مجاولة تصوير صورة للواقع و الزمن و التاريخ و المستقبل يلعب فيها الكون و قوانينة جميع الادوار.
بكل بساطة اذا كان اصل الانسان هو هذه الملايين من السنوات من التطور عبر تاريخ الارض القديم فان هذا الانسان فارغ من كل قيمة و غاية.
بكل بساطة فان نظرية التطور لا تدفع على الاطمئنان امام تهديد الموت بل هى تدفع على الذعر و الهلع و الفزع.
بكل بساطة نظرية التطور تقول ان كل هذه النظريات الايمانية التى جاء بها الانسان او جاءت الى الانسان هى وهم و كذب و خيال ليس لها اى اساس من الحقيقة.
بكل بساطة هذا الاحتمال هو روح الهلع و الفزع و الذعر.
اذن اختار الايمان و طمأننية الايمان و النبى و السنة على جزع التطور و الصدفة و الزمن.
وفى رأيى فان نظرية التطور هى (المسيح الدجال) فهى تستخدم العلم من اجل تحدى دعوة الانبياء و الدعوة الى الايمان بالكون.
والكون فى رأيى هو (الشيطان).
اذن الايمان بالكون و بنظرية التطور هو ايمان فى حقيقة الامر بالشيطان و بالمسيح الدجال.
ومن يستطيع ان يفصل بين (المسيح) اى بين (العلم) و بين (الدجال) اى بين (الكفر) فى نظرية التطور فاننى ادعوه ان يحاول ان يفعل ذلك.
لكن الامر صعب جدا وقد يكون محالا و قد تخسر نفسك فى المحاولة.

خلاصة: كنا نبحث عن (الايمان بالحقيقة) فكان موقفنا ايجابيا امام (نظرية التطور) اما اليوم فان الذى يهمنا هو (تحقيق الايمان) فأصبح موقنا سلبيا امام (نظرية التطور).
نحن نقر ان هناك جزء علمى صلب فى نظرية التطور لكن اولويتنا هو الجزء الدينى الصلب فى الايمان الذى تتهدده مثل هذه الافكار.
أهم رسالة فى نظرية التطور هى ان كل هذه النظريات الدينية و القصص القرآنى و النبوات و الوحى و الغيب و كل هذه الاشياء التى جاء بها ابراهيم و موسى و عيسى و محمد هى محض خيال و هلوسة و وهم و سراب هدفها الوحيد هو نفسى يتمثل فى تسلية و الهاء الانسان و محاولة نسيان عبثية الحياة و الكون و الوجود.
اذن حسب هذه الرسالة فان الموت هو النهاية و سنرجع الى ذرات الكون بعد الموت اى ان كل احبتنا و اهلنا و ابنتى و أبى و احتى و كل من مات من المسلمين و غير المسلمين لم يغيبهم فقط الموت بل هو قد افناهم و عاد الجميع ذرات كما كان.
امام هذه الفكرة فاننى كل مرة لا استطيع ان اشعر الا بالفزع و الهلع و الرعب و الخوف.
عندما اكون لوحدى و افكر فى هذا المسألة -رغم احتماليتها- فان نوبة شديدة من الهلع الشديد تتملكنى.
ثم اكثر من هذا تأتى نظرية التطور و تدعى بكل ثقة و اعتداد ان هذه المسألة ليست فقط احتمالية بل هى يقينية. هنا امام هذا الغرور و امام هذا التعنت ليس هناك حل امامنا الا رفض و لفظ نظرية التطور بأكملها.
بكل بساطة نظرية التطور اصبحت تتهدد صحتنا النفسية قبل صحتنا الايمانية و هذا مرفوض.
خلاصة اخرى
سؤال ما هو الفرق بين مسألة (كروية الارض) و (مسألة نظرية التطور) و (مسألة الانفجار الاعظم)?
اقول لو اصبح الانفجار الاعظم أو نظرية التطور فى مستوى يقين كروية الارض لآمنا بهما و تركنا الايمان بالايمان.
بل اننى اقول ان نظرية التطور لا ترقى الى مستوى نظرية الانفجار الاعظم.
فوراء نظرية الانفجار الاعظم تجربة و رصد و رياضيات و عقل و الطريقة العلمية و كل علم الفيزياء. ومع هذا فهى احتمالية.
اما نظرية التطور فليس وراءها اى من ذلك. وراءها تجربة محدودة و رصد اكثر محدودية . ومع هذا فهم يدعون انها يقينية.
نظرية الانفجار الاكبر قد تؤدى الى قدم العالم.
اما مسألة التطور فهى لا تحتاج لا الى قدم العالم و لا الى حدوثه.
بمعنى انه حتى لو كان العالم قديم فان الله موجود و النبوات ذات معنى و الحياة ذات مغزى.
لكن نظرية التطور بالمنطق المروج له (منطق المسيج الدجال) حتى لو كانت حاكمة فى عالم محدث فلن يكون هناك حاجة الى الله.
بعبارة اخرى فان نظرية التطور اخطر على الايمان من نظرية قدم العالم.
الايمان يمكنه ان يتعايش مع قدم العالم لكن كيف يمكنه ان يتعايش مع نظرية تقول ان اصل الانسان هو تطور على مدى ملايين من السنوات وصل به الى التاريخ و ما قبل التاريخ و الهوموسابيان و الهومواراكتوس و البرايمات و الثديات ووووو.
اين هو محل الانبياء فى هذه السلسلة التطورية من الوعى المتدرج التى تحكمها اربعة عناصر بيولوجية.
نظرية التطور كقوة خامسة سببية حاكمة سوف افهمها رياضيا و تجريبيا اذا تعاملوا معها مثل باقى القوى الفيزيائية الاربعة اما ان نتعامل معها كقوة خالقة فهذا هو المرفوض ولهذا فاننى سميتها المسيح الدجال.

فرضية الوعى الواحد

فرضية الالكترون الواحد (ويلر Wheeler) تنص على ان جميع خطوط-العالم world-lines فى الكون هى فى الحقيقة خط-كونى واحد و بالتالى فان جميع الالكترونات فى الكون هى فى الحقيقة الكترون واحد.
هذه الفرضية و العبقرى الفذ ويلر قد كنت تكلمت عنهما فى فرص كثيرة سابقة يمكنكم الاطلاع عليها على راحتكم فى مقالات البلوغر.
الآن اليوم اريد ان اقترح فرضية مختلفة جديدة هى (فرضية الوعى الواحد).
وهى فرضية ساستخدم فيها فرضيتين اخريتين معروفتين هما (فرضية المحاكاة) و (فرضية انتفاء العقول الاخرى او السوليبسيزم).
فرضية الوعى الواحد تنص بكل بساطة على ان كل هذه الانفس الآدمية من لدن آدم الى غاية يوم القيامة هى فى الحقيقة نفس واحدة و روح واحدة و وعى واحد.
الذى يختلف هو هذه الابدان المختلفة التى تعيش فى هذه العوالم المختلفة.
والقصة تبدأ من آدم عليه السلام.
اذن هناك آدم عليه السلام خلقه الله بيده و خلق له زوجه حواء و اكل من الشجرة ثم هبط الى الارض و تناسل ثم توفى بعد حين.
كل هذ يعرف لنا عالم واحد.
اذن فى عالم آدم كل شيء هو محاكاة الا آدم نفسه. فقط وعى آدم عليه السلام حقيقى من وجهة نظر او منظوريانية perspective آدم فى عالم آدم.
اذن هنا نمزج (فرضية المحاكاة simulation hypothesis) مع (فرضية انتفاء العقول الاخرى او السوليبزيسم solipsism).
اذن آدم عليه السلام هو الوعى الواحد فى هذا الوجود.
ناخذ مثال قابيل. قابيل هو ليس حقيقى فى عالم آدم بل هو فقط محاكاة فى عالم آدم مثل كل شيء آخر فى عالم آدم.
لكن هناك عالم آخر يعرف بالنسبة الى منظوريانية قابيل يكون وعى قابيل هو الشيء الحقيقى الوحيد فيه و كل شيء آخر هو محاكاة. اذن فى عالم قابل يجد قابيل نفسه قد ولد فى الارض من آدم و حواء ثم يقتل اخيه هابيل ثم يدفنه ثم يموت.
فى عالم قابيل وعى قابيل فقط هو الحقيقى و ذلك الوعى هو نفسه وعى آدم الاول. هو نفس الوعى. وعى آدم حقيقى فى عالمه اما وعى آدم فى عالم قابيل فهو قابيل وهو حقيقى فى هذا العالم.
بنفس الطريقة فان هابيل وجد نفسه ولد فى الارض من آدم و حواء ثم يقتله اخاه قابيل. فى هذا العالم فان هابيل هو الوعى الوحيد الحقيقى اما كل شيء آخر و منه آدم و قابيل فهو محاكاة. اكثر من هذا فان وعى هابيل هو نفسه وعى آدم الاصلى. آدم هو آدم فى عالمه و آدم هو قابيل فى عالم قابيل و آدم هو هابيل فى عالم هابيل.
وهكذا.
اذن كل وعى من منظوريانيته الخاصة (المعلم الميتافيزقى العطالى الخاص به) يعرف عالم خاص به. فى هذا العالم كل شيء هو محاكاة الا هذا الوعى. واكثر من هذا فان هذا الوعى هو نفسه وعى آدم الاصلى. فآدم هو هذا الوعى فى هذا العالم ليس شيئا آخر.
اذن هناك وعى واحد هو وعى آدم عليه السلام.
لكن هناك فى الحقيقة عدد لانهائى من العوالم.
فى كل عالم تعيش منظوريانية معينة هى فقط الحقيقية و كل شيء آخر هو محاكاة فى ذلك العالم.
وعندما يموت هذا الوعى فى عالمه فان هذا العالم المحاكى ينقضى و يفنى مع موت ذلك الوعى.
وهكذا تتبخر بالكامل معضلة الشر (فهو كله محاكاة) و تنحل بالكامل معضلة الحرية (فهى حقيقية لانها مقيدة بالمنظوريانية التى هى حقيقية) و يصبح الموت مفهوما لانه ليس الا نهاية وعى و محاكاة و ليس نهاية وعى فقط. اما المسؤولية فتبقى قائمة بشكل واضح و اما البعث و الحساب و العقاب فهو كله يقع على ذلك الوعى الواحد (وعى آدم) وهذا الرأى الاخير يشبه كثيرا قول ابن سينا القديم.

نظرية التطور (المسيح الدجال) و الكون (الشيطان)

اومن أهم الآراء التى تبلورت عندى بشكل واضح فى الاشهر الماضية فكرة ان (الكون يتميز بوعى اولى و بحرية اولية و بمنظوريانية اولية) وهذا يجعله مسؤول عن كل شيء قام و يقوم به الانسان ب (وعيه و حريته و منظوريانيته).

وهذه فكرة (فكرة البانسيكيزم panpsychism اى ان الوعى او العقل طاغى فى الكون و ليس فقط يتميز به الانسان) اصبحت فكرة رائجة جدا فى فلسفة تفسير الوعى الظواهرى phenomenal consciousness او الكواليا qualia.
لكننى شخصيا توصلت اليها من زاوية (معضلة الشر) و ليس من زاوية (المعضلة الاصعب للوعى hard problem of consciousness).
اذن (وعى الانسان) حسب فهمى الشخصىة جدا للفيلسوف-النفسانى-الاديب دوستوفويسكى فى روايته الاولى (رسائل من القبو notes from the underground) يتميز بشيئين اساسيين هما:
-اولا (الرغبة فى فعل الشر و لو نكاية).
-و ثانيا (التلذذ بالعذاب و الام و المعاناة).
اذن الانسان يحتاج الى الألم (بل هو يتلذذ لاشعوريا به) و يرغب فى الشر (فهى ليست قضية اختيار فقط) و هذا اكثر بكثير مما كنا نقوله سابقا.
ولهذا فان (الوعى خطأ كونى ما كان يجب ان يكون لكنه كان فى هذا الكون و على احدهم ان يتحمل مسؤولية هذه الكينونة).
ودوستوفويسكى وجدته يصرح بهذه الفكرة (ان الوعى خطأ فى الكون) فى رواية (رسالة من القبو) التى هى من اعظم ما قرأت.
و رغم قصرهذه الرواية الشديد فاننى صرفت صائفة كاملة فى القراءة و التلخيص و اعادة انتاج ذلك الكم الهائل من الافكار الوجودية العميقة التى تحتويها.
اذن الانسان (يريد فعلا فعل الشر و ليس ان الشر خطأ غير مقصود من الانسان) و هو (يتلذذ لاشعوريا بالعذاب رغم ادعاءه الخوف الشديد منه).
الانسان اذن مازوخى من نوع غير مسبوق فى هذا الكون المازوخى.
وفرويد يكتب كتاب كامل عن دوستوفويسكى و روايته (رسالة من القبو) لانه على ما يبدو يقبل هذا التحليل.
اذن الوعى هو رغبة فى فعل الشر و تلذذ بالعذاب.
ولهذا ربما عصى ابليس (وهذه هى الرغبة فى الشر) وهذا حتى يدخل النار (التى هى ذروة الألم) لأنه فى حقيقته يرغب بالعذاب و الالم لا شعوريا. فحتى ابليس فهو لا يعلم انه مازوخى فى حقيقته.
وهذا ورثه آدم و ذريته (رغبة فى فعل الشر و تلذذ بالعذاب لاشعورى).
وقد قال ابن عربى قديما ان العذاب فى النار بالنسبة للمخلد فيها سوف يتحول الى استعذاب وهذا ما يقوله دوستوفويسكى لكن دوستوفويسكى قاله بشكل اعمق من الناحية النفسية البحتة.
اذن الكون مسؤول عن خلقه للانسان و شر الانسان (عبر الانبعاث) مثلما ان الانسان مسؤول عن خلق الذكاء الاصطناعى و شر الآلات القادم (عبر الاختراع) .
فالله سبحانه و تعالى قد خلق عدد لانهائى من الاكوان.
لكن عدد لانهائى من هذه الاكوان لم يتورط فى خلق الوعى لكن هذا الكون الذى نعيش فيه فعل.
اذن السؤال لماذا فعل هذا الكون مالم يفعله عدد لانهائى من الاكوان المماثلة.
والله خلق الانسان عبر خلق الاسباب و القوانين و التطور فى هذا الكون لكنه خلق الكون ب (كن).
اما خلقه الكون فى سته ايام فتأويله ان كل وجود الكون حتى قيام الساعة هو ستة ايام و اليوم السابع هو البعث و الحساب و العقاب.
اذن لا تعارض بين الخلق بكن و الخلق فى ستة ايام.
لكن كل هذا الزمن الكونى-الانسانى هو حادث فى وعى الله سبحانه و تعالى فى نفس اللحظة الالهية.
اى انه بالنسبة لله سبحانه و تعالى فان خلق الكون ب (كن) و خلق الانسان فى الكون بالكون و الموت و البعث و الحساب و العقاب كله وقع-يقع-واقع فى نفس اللحظة فى الوعى الالهى و ليس فيه ترتيب زمنى.
المحصلة فى النهاية ان الكون شرير و هو مخلوق من نار.
و تذكروا فان ابليس شرير وهو مخلوق من نار.
اذن اقول ابليس هو الكون و الكون هو ابليس.
وابليس يرفض السجود لآدم و يقول لله سبحانه و تعالى (انا خير منه خلقتنى من نار و خلقتنى من طين).
و السبب ان الكون المخلوق من نار طور هو الآخر انسان فيه عبر (نظرية التطور) اراد به منافسة خلق الله سبحانه و تعالى المباشر لآدم.
فالكون او ابليس يرى ان الانسان الذى خلقه خلقا انبعاثيا عبر الاسباب و القوانين و التطور افضل من آدم الذى خلقه الله سبحانه و تعالى وهذا تحدى لله سبحانه و تعالى و لخلقه سبحانه و تعالى.
و (نظرية التطور) هى اخطر نظرية على الفكرة الدينية. وهذا رأى جديد عندى ايضا بعد ان وقفت على الحياد فى هذا الامر وقتا طويلا خاصة ان نظرية التطور هى نظرية علمية لا جدال فى ذلك.
اذن (نظرية التطور) هى (المسيح الدجال).
فكما ان المسيج الدجال يستخدم العلم من اجل الدجل الذى هو فتنة الناس و ابعادهم عن فكرة الله سبحانه و تعالى.
فان (نظرية التطور) تستخدم العلم من اجل الدجل ايضا الذى هو ضرب فكرة الله سبحانه و تعالى فى الصميم.
و لدينا فى الاخير موقفان امام الموت.
--عندما نموت لا نجد شيئا مما يذكره الدين بل قد لا نجد اى شيء.
-عندما نموت نجد ما يذكره الدين و قد نجد شيئا لكن ليس الذى يذكره الدين.
واننى ارتعب رعبا من الفكرة الاولى رغم ان الفكرة الثانية هى ايضا مرعبة جدا الا ان رعب الفكرة الاولى (لاشيء بعد الموت) اكبر بمالانهاية من رعب الفكرة الثانية (هناك شيء بعد الموت).
واننى اختار الرعب الاقل على الرعب المالانهائى.
وهذا موضوع آخر يحتاج الى تفصيل و ربط اكثر مع فكرتى (ابليس هو الكون) و (المسيح الدجال هو نظرية التطور).


مستويات الحضارة و كرة ديزون و صانع النجوم

قدم رائد الفضاء و الفيزيائى الروسى  نيكولاى كارداشايف Nicolai Kardashev فى عام 1964 ما يعرف اليوم بسلم كارداشاف Kardashev scale الذى يقيس مستويات الحضارة القادرة على الانبعاث فى هذا الكون.

هذا السلم يرتب الحضارات فى ثلاثة مراتب مرتبة وهذا حسب استهلاكها للطاقة. هذا السلم يعتمد على ثلاثة مسلمات: 

اولا توفر منابع الطاقة, 

و ثانيا المستوى التكنولوجي, 

 و ثالثا القدرة على الاتصال البين-نجمى.

من الواضح ان جزء معتبر من الطاقة المتوفرة لكل حضارة سوف يُستخدم من اجل محاولة الاتصال بالحضارات الاخرى فى الفضاء. مثلا يحاول العلماء اليوم الاتصال بالحضارات الفضائية فى اطار برنامج  البحث عن الذكاء الفضائى search for extraterrestrial intelligence  المعروف اختصارا  باسم SETI.

سلم كارداشيف يحتوى على ثلاثة مستويات حضارية هى كالآتى:

اولا الحضارات من النوع I وهى الحضارة التى يمكنها استغلال كل الطاقة التى تصلها الى كوكبها من النجم الاساسى الذى تدور حوله. هذه الحضارة تستهلك ما يقارب ال 10 للقوة 16 واط. 

تقييم كارداشيف Kardashev rating الذى اعطاه كارل سايغن Carl Sagan فى السبيعنات لكل حضارة تستهلك طاقة P   يعطى حسب المعادلة

\[K=\frac{\log P-6}{10}\]

اذن حسب سايغن -الذى يضيف الى مقياس الطاقة مقياس المعلومات من اجل ترتيب الحضارات-  فان حضارة الارض فى هذا العصر هى ليست الا حضارة مراهقة فهى ليست حتى فى مستوى  النوع 1 بل هى من النوع  0 (تقييم كارداشيف بالنسبة للارض اليوم يساوى حوالى 0.7 و ليس 1). 

ثانيا الحضارات من النوع II وهى الحضارات التى يمكنها استغلال كل الطاقة الصادرة من النجم الاساسى الذى تدور حوله وهذا عبر بناء كرة ديزون حول هذا النجم. هذه الحضارة تستهلك ما يقارب ال 10 للقوة 26 واط.

ثالثا الحضارات من النوع III وهى الحضارات التى يمكنها استغلال كل الطاقة الصادرة من المجرة التى تعيش فيها.  هذه الحضارة تستهلك ما يقارب ال 10 للقوة 26 واط.

حسب ميكيو كاكو Michio Kaku  فانه بافتراض نسبة نمو فى استهلاك الطاقة تساوى 3 بالمائة فى السنة فان الارض سوف تحتاج من 100 الى 200 سنة اخرى لبلوغ  مستوى النوع I من الحضارات و سوف تبلغ مستوى النوع II خلال بضعة الاف سنة اما مستوى النوع III فان الارض سوف تحتاج من 100 الف الى مليون سنة اخرى.

وهناك  حسب كاكو حضارات من النوع IV و من النوع V ايضا التى يمكنها التحكم فى كل الطاقة الصادرة من الكون او مجموعة من الاكوان (عديد-الاكوان).

نحن اذن ما زلنا حضارة من النوع 0 و قد ندخل الى النوع 1 قريبا نسبيا (200 سنة على الاكثر).

اما الدخول الى النوع 2 فهذا سوف يستهلك زمنا اطول.

الفرق بين النوع 1 و النوع 2  يكمن فى كون ان النوع 1 لا يمكنه الا استهلاك الطاقة التى تصله على كوكبه من النجم الذى يدور حوله اما النوع 2 فهو يمكنه اسjغلال كل الطاقة الصادرة عن النجم.

هذا يمكن ان يتحقق عبر بناء هيكل-عملاق megastructure حول النجم يسمى كرة ديزون Dyson sphere و التى يمكن استخدامها فى بناء حاسوب-عملاق megacomputer بحجم نجم يسمى دماغ ماتريوشكا Matrioshka brain وهى فكرة ترجع الى روبرت برادبورى Robert Bradbury. 

دماغ ماتريوشكا  تستخدمه الحضارة من النوع II فى  حاسوبياتها المعقدة -مثلا فى تخزين العقل الانسانى و الذكاء الاصطناعى من اجل اعادة بعث ذلك الوعى الانسانى او الاصطناعى فى اجساد جديدة بعد موت الاجساد القديمة-.

أما كرة ديزون فانها سميت كذلك نسبة الى الفيزيائى النظرى فريمان ديزون Freeman Dyson المشهور بسلسلة ديزون Dyson series فى نظرية الحقول الكمومية quantum field theory  و المشهور ايضا بفكرة ان نظرية الثقالة الكمومية quantum gravity ليست ضرورية على الاطلاق من اجل وصف قوة الجذب الثقالية gravitational attraction لان هذه الاخيرة هى قوة كلاسيكية بالاساس لا تحتاج الى تكميم quantization. 

الحقيقة ان كرة ديزون -و هذا باعتراف ديزون نفسه- هى فكرة ترجع الى الفيلسوف و  كاتب الخيال العلمى الانجليزى اولاف ستايبلدون Olaf Stapledonn الذى كنا قد تكلمنا عنه من قبل عندما تكلمنا عن عمر نوح عليه السلام و محاولة تفسيره بشكل علمى.

فى احدى روايات ستايبلدون (الانسان الاول و الاخير Last and First Men والتى هى عبارة عن رواية تاريخ مستقبلى future history للانسان) فان الكاتب يتصور ان الانسان خلال ال 2 مليار سنة القادمة سوف يمر ب 18 مرحلة تطورية كل مرحلة هى عبارة عن نوع انسانى مختلف عن هذا الهوموسابيان.

احد هذه الانواع الانسانية كانت  فى الرواية تعمر كثيرا لكن سن البلوغ و الانجاب عندها كان ايضا متقدما. و كما قلنا فى مكان آخر فانه يمكن فهم عمر نوح الطويل بنفس الطريقة. اى ان جميع قوم نوح -وليس نوح فقط- كانوا يعمرون لكن سن البلوغ و الانجاب عندهم  جميعا كان ايضا متقدما. 

وهذا شيء معروف ايضا فى المملكة الحيوانية اليوم حيث ان بعض انواع سمك القرش يعمر كثيرا (2 الى 3 قرون) لكن سن البلوغ عنده ايضا كبير (الانثى لا تنجب الا بعد ان تصل الى قرن او اكثر).

هذه الرواية تحتوى ايضا على نوع انسانى هو عبارة عن عقل-ممتاز super-mind اى ان جميع الافراد فى ذلك النوع متحدون تخاطريا telepathically فى وعى جماعى collective consciousness.  

اولاف ستايبلدون كان فيلسوفا يوصف بأنه اغنوسى. لكن الاقرب الى الحقيقة انه كان يحمل عداء شديد للتدين العلنى و للمؤسسات الدينية لكنه فى نفس الوقت متحمس جدا للفكرة الدينية و للروحانية الحقيقية. وهذا موقف قد يبدو متناقض -خاصة عند الخصوم- وهذا ما يجعله يبدو اغنوسى لكنه هو غير ذلك تماما.

فالروحانية ظاهرة طبيعية بل هى ظاهرة صحية لكن  الحقيقة ان التدين الهيستيرى يضرب اركان هذه الروحانية فى الصميم.

الرواية العظيمة الاخرى لاولاف ستايبلدون التى استمد منها فريمان ديزون فكرة كرة ديزون هى رواية (صانع النجوم star maker).

هذه الرواية هى ايضا من نوع التاريخ المستقبلى و هى تحكى مستقبل الحياة فى الكون بأكمله و ليس فقط مستقبل الانسان. وهى رواية يمكن النظر اليها على انها الجزء الموالى لرواية (الانسان الاول و الاخير).

فى هذه الرواية يتم نقل وعى رجل يعيش فى لندن خارج جسمه فيجد هذا الرجل نفسه قادرا على السفر فى  الزمن و فى الفضاء. 

يسافر هذا الرجل اذن الى كوكب آخر  فى هذه المجرة (الارض الاخرى) تطورت عليه  منذ ملايين السنوات حضارة اخرى على نفس القدر من التطور الذى بلغه اليوم الانسان على الارض.

و يتوحد بعدها عقل هذا الرجل مع عقل احد سكان هذه الحضارة البعيدة و يسافرا معا فى الزمن و الفضاء الى كواكب اخرى و خلال سفرهما تندمج معهما عقول افراد آخرين. و  بذلك يتشكل  وعى جماعى   يتواصل افراده عبر التخاطر هو نواة العقل الكونى cosmic mind.

الفكرة الاخرى -بالاضافة الى كرة ديزون-  التى سبق بها المؤلف فى هذا الرواية الفيزياء بعشرات السنوات  هى فكرة عديد-الاكون multiverse.

وفكرة عبقرية اخرى يذكرها المؤلف فى هذه الرواية هى ان الكون يتحلى بوعى حقيقى فهو كائن ذكى ذكاءا حقيقيا يعمل على ازمان كبيرة جدا و لهذا لا نستطيع تمييز ذكاءه الواعى الحر المنظوريانى لان الوعى الذى نتحلى به يعمل على ازمان مهملة بالمقارنة.

يواصل الوعى الجماعى سفره عبر الزمن و الفضاء فى هذا الكون و يتواصل توحد عقول افراد آخرين و بذلك يتطور هذا الوعى الجماعى رويدا رويدا نحو  العقل الكونى وحتى نصل الى اللحظة الحاسمة فى الرواية التى يتصل فيها هذا العقل الكونى بصانع النجوم.

ويكتشف العقل الكونى ان صانع النجوم هو صانع النجوم فعلا فهو خالق الكون لكنه خالق مثل الفنان اى ان الكون بالنسبة الى صانع النجوم هو مثل اللوحة الفنية بالنسبة الى الرسام.

ولان صانع النجوم هو فنان مطلق فانه  بعد ان يرسم كل لوحة (اى بعد ان يخلق كل كون) فانه يقوم بتقييم ذلك العمل بشكل موضوعى مطلق بدون اى نظر الى معاناة و شر الكائنات التى تعيش فى ذلك الكون.   فيجد صانع النجوم من نفسه عدم الرضا عن تلك اللوحة  او تلك كما يجد ذلك من نفسه اى فنان موضوعى فما بالك بالفنان المطلق.

اذن صانع النجوم يخلق عدد لانهائى من اللوحات الفنية وهو يريدها لكنه غير راضى عنها جميعا و يتركها لنفسها ثم يذهب و يخلق غيرها و هكذا.

حتى ان المؤلف تصور كون خلقه صانع النجوم من الموسيقى فقط. وحتى هذا الكون الموسيقى فان صانع النجوم لم يكن راضيا عنه لانه انطوى على انماط سلوكية لم تتماشى مع القانون الذى سنه صانع النجوم لهذا الكون (تذكروا هذه الاكوان تتميز بوعى و بحرية و بحرية منظوريانية). 

اذن الفنان المطلق (صانع النجوم) يبحث عن الكمال المطلق ومن اجل هذا الكمال المطلق فانه يخلق عدد لانهائى من الاكوان الذكية فكل مرة يترك الكون الذى خلقه و يذهب و يخلق كون اعقد و اكمل و اجمل و اخير الى مالانهاية وهكذا حتى يصل الى الكون النهائى ultimate universe الذى تتم بخلقه ارادة (صانع النجوم) الازلية فى تحقيق الخير و الكمال و الجمال.

 بعد ان يشاهد وعى المسافر كل هذه المعرفة و يرى هذه الحقيقة فانه ينفصل عن الوعى الكونى و يرجع الى جسده فى لندن على هذه الارض فى هذا الزمن. 


وحدانية  الله و وحدة الوعى و (توحد الوعى الممتاز): تفسير (قل هو الله احد..) و (ليس كمثله شيء..) و (ما قدروا الله حق قدره..)

قل هو الله احد الله صمد لم يلد و لم يولد و لم يكن له كفؤ احد.

وهى سورة مكية نزلت قبل هجرة الرسول صلى الله عليه و سلم.

اما سبب النزول قد ذكر انها جواب على سؤال للمشركين فى مكة و ذكر فى روايات اخرى انها جواب على سؤال ليهود يثرب و فى روايات اخرى انها جواب لنصارى نجران.

ولان السورة مكية فاننا نرجح ان هذه الآية قد نزلت جوابا على سؤال المشركين لكننا لا نستبعد ابدا انها نزلت  جوابا على سؤال اليهود.


يقول الطبرى فى تفسيره: 


عن سعيد, قال: أتى رهط من اليهود النبي صلى الله عليه وسلم, فقالوا: يا محمد هذا الله خلق الخلق, فمن خلقه؟ فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم حتى انتُقِع لونه، ثم ساورهم غضبا لربه, فجاءه جبريل عليه السلام فسكنه, وقال: اخفض عليك جناحك يا محمد, وجاءه من الله جواب ما سألوه عنه. قال: " يقول الله: ( قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ * لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ * وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ ) " فلما تلا عليهم النبي صلى الله عليه وسلم, قالوا: صف لنا ربك كيف خلقه, وكيف عضده, وكيف ذراعه, فغضب النبيّ صلى الله عليه وسلم أشدّ من غضبه الأول, وساورهم غضبا, فأتاه جبريل فقال له مثل مقالته, وأتاه بجواب ما سألوه عنه: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ .

اذن اليهود  سألوا الرسول صلى الله عليه و سلم (يا محمد هذا الله خلق الخلق فمن خلقه?). 

وهذا سؤال دهري لا يسأله الا من لا يعرف شيئا فى الفلسفة (مثلا كفار قريش) لكن اليهود رغم انهم اهل كتاب -يدعون انهم شعب الله المختار- هم ادرى من ان يسألوا هذا السؤال الغبى الا انهم سألوا ليس لعدم العلم بل لسبب جحودهم وعنادهم و جدالهم ليس لأى سبب موضوعى آخر .

وقد غضب الرسول صلى الله عليه و سلم لربه من سؤالهم  فسكنه جبريل عليه السلام و انزل  الله سبحانه و تعالى سورة الصمد جوابا على سؤالهم. 

لكن لكفر شعب الله المختار ليس له حدود و تعديهم الحدود ليس له حد. فانه بعد هذا الجواب فانهم واصلوا سؤال النبى السؤال نفسه لكن بطريقة مختلفة (صف لنا ربك كيف خلقه و كيف عضده و كيف ذراعه) وهذا من اكبر الجحود و العناد و الجدال. فغضب الرسول مرة اخرى اشد من غضبه الاول و أتاه جبريل و سكنه و انزل الله سبحانه و تعالى الآية العظيمة الاخرى (و ما قدروا الله حق قدره). 


اذن سورة الصمد تبدأ بفعل الامر (قل).

اذن يقول الله سبحانه و تعالى  للرسول صلى الله عليه و سلم (قل) وهذا على لسان الملك جبريل عليه السلام. هنا اذن (قل) هى بمعنى (قل ايها النبى). و اللفظ هو من عند الله و جبريل هو ناقل للفظ ليس الا. اذن العقل الفعال (الملك) و العقل المستفاد (النبى) يتوحدان  فى حالة تشابك ميتافيزيقى عند لحظة الوحى فهما عند هذه اللحظة  جملة وعى واحدة. 

لكن البعض قد يقول ان القرآن هو  من عند الرسول صلى الله عليه و سلم. و هم يُقرون ان الرسول صادق لكن الوحى الذى يأتيه هو كلام ما سوف اسميه هنا (الوعى الممتاز) و ليس كلام الله الخارجى.

وهذا (الوعى الممتاز) هو اعلى مستويات الوعى عند الانسان. وهو وعى فوق الوعى الظاهر (وهو الوعى العادى) مثلما ان الوعى الظاهر هو فوق الوعى الباطن (وهو اللاوعى).

وقد تكون هناك مستويات اخرى من الوعى. مثلا الملك الذى يأتى الى النبى بالوحى هو ايضا حسب هؤلاء مرتبة اخرى من الوعى تأتى بين الوعى الممتاز و الوعى الظاهر.

من الواضح ان هذا الوعى الممتاز غائب عند جميع البشر. 

اذن حسب هؤلاء فان  الرسول (الوعى الممتاز) يقول  للرسول (الوعى الظاهر): (قل) و هذا على لسان الملك الذى هو فى حد ذاته مستوى آخر من الوعى بين الوعى الممتاز و الوعى الظاهر.

اذن هذا جنون فالمجنون  يرى فعلا اشياء و يسمع اشياء  ليست هناك فى الواقع. اذن الجنون هو ايضا مستوى آخر من الوعى. 

و قد شبهت قريش النبى بالجنون ايضا  (كذلك ما اتى من قبلهم من رسول الا قالوا ساحر مجنون).

لكن المؤكد و المجمع عليه بين الجميع ان النبى ليس مجنون.

و قد شبه ابن سينا و الغزالى النبوة بالجنون من ناحية ان الوعى الممتاز او الوعى النبوى ليس هو الوعى الظاهر كما ان وعى الجنون ليس هو  ايضا الوعى الظاهر.

الوعى كما ذكرنا فى مكان آخر يتميز بالاحتمال و ليس باليقين.

هنا نضيف ان الوعى يتميز بالخيال و ليس بالحقيقة.

والوعى فى حالة رصد مستمرة للواقع المادى و هو فى حالة تخيل مستمرة عن الواقع اللامادى.

الجنون الذى يقع فيه ان الوعى الظاهر برصده و تخيله يتوحد مع الواقع المادى و لا يستطيع بعدها المجنون التمييز بينهما لانه ليس لديه شيء آخر.

اما النبوة فان الذى يقع فيها ان الوعى الظاهر يتوحد تماما بالتخيل مع الواقع اللامادى و يبقى للوعى قدرته على الرصد التى ستسمح له برصد هذا الواقع اللامادى مثلما انه يستطيع ان يرصد الواقع المادى.

اذن التخيلات التى يراها النبى هى بالضبط حقيقة الواقع اللامادى ليست مثل تخيلات المجنون التى هى تخيلات الواقع المادى.

وبالنسبة لغير العارف فان حقائق الواقع اللامادى قد تبدو هى الاخرى تخيلات بالنسبة الى ما تعود عليه من الواقع المادى.

اذن الرسول ليس بمجنون و ذلك الوعى الممتاز (الذى افترضنا انه داخلى و الذى هو فوق الوعى الظاهر) هو ليس الا العقل الفعال نفسه اى الملك نفسه ليس شيئا آخر اذن هو وعى خارجى يتوحد معه الوعى الظاهر فى لحظة الوحى.

اذن الوعى الفعال او الملك هو الوعى الخارجى الذى يتوسط و الذى هو حلقة الوصل بين الوعى الظاهر و بين الله.

او ان الملك هو الوعى الكونى نفسه. اى ان الكون هو الذى يتوسط و هو خلقة الوصل بين الوعى و الله عند النبى. 

اذن يقول الله سبحانه و تعالى للرسول صلى اله عليه و سلم (قل) اى (قل ايها النبى) عبر الوعى الممتاز او الوعى الكونى او العقل الفعال او الملك فهذه كلها مصطلحات مترادفة.

وفى لحظة الوحى فان الوعى الظاهر للنبى يتوحد مع هذا الوعى الممتاز الكونى فى وعى واحد هو ما يسميه الفارابى و ابن سينا و الغزالى العقل المستفاد.

اذن (قل) فى سورة الصمد تعبر عن (الوحى). و الوحى هو فعل تزامنى غير-سببى يربط الله سبحانه و تعالى بخلقه. بل ان (الوحى) هو الفعل الالهى الوحيد الذى يربط بين الله و خلقه بعد فعل الخلق الاول (كن). اما غير هذا فان الكون هو ساعة تسير لوحدها و بكل دقة بالاسباب المودعة فيها عندما خلق الله الكون اول مرة.

اما (هو) فهى تعبر عن الوجود.

و اسم الله الاعظم (الله) يعبر عن الذات الالهية.

اما (احد) فهى تعبر عن احد اهم صفاته سبحانه و تعالى وهى الوحدانية. وهذا موجه الى المشركين. 

اما اسم الله الاعظم (الله) فيعبر هنا عن بقية الصفات الالهية.

اما (الصمد) فهو يعبر عن القيومية اى ان الله قائم بنفسه و كل شيء آخر هو قائم بغيره.

(لم يلد) وهذا يعبر عن البقاء اى ان الله هو الباقى اى انه هو الآخر. فهو سبحانه و تعالى رغم انه لم يلد فانه باق عكس الانسان الذى لن يبقى لو لم يلد. اذن هذه تعبر عن نفى الشبه بالانسان وهى موجهة بالخصوص الى المسيحيين الذين قالوا ان المسيح ابن الله.

(لم يولد) و هذا يعبر عن القدم اى ان الله سبحانه و تعالى هو القديم و هو الاول و كونه هو الاول يعنى انه لم يولد. وهذا موجه الى اليهود و الدهرية. 

(ولم يكن له كفؤا احد). وهذه الآية تنفى عن الله سبحانه و تعالى الانداد. 

و كلمة (أحد) مثل كلمة (أحد) المذكورة فى بداية السورة تعنى (الوحدة) وهى يتميز بها كل من الكون و الوعى كما يتميز بها الله سبحانه و تعالى. اما بالنسبة الى الله سبحانه و تعالى فان هذه (الوحدة) هى (الوحدانية) وهى شيء مخصوص به سبحانه و تعالى. 

اما وحدة الوعى فهى واضحة حيث نشعر ان النفس هى شيء واحد لا ينقسم و لا يتجزأ و لا ينفصل و لا يتصل.

 لكن الكون ايضا يتحلى بهذه الوحدة فهو خاضع الى نفس القوانين السببية و الفيزيائية و التطورية التى تعمل فيه منذ بدايته فى الانفجار الاعظم حتى نهايته فى الموت الحرارى. 

اذن (لم يكن له كفؤا احدا) تعنى ان الكون و الانسان هما (احد) و ذلك الاحد  ليس كفؤا لله سبحانه و تعالى. 

و نأخذ كمثال فعل الخلق. 

فان الله يخلق و الكون يخلق و الانسان يخلق مثلما ان الله احد و الكون احد و الانسان احد.

لكن خلق الله هو خلق عن عدم او من عدم او هو فيض او هو تجلى وهو فعل (كن).

اما خلق الكون فهو عبر القوانين السببية و الفيزيائية و التطورية المودعة فيه وهو فعل (الانبعاث).

أما خلق الانسان فهو عبر تسخير القوانين العقلية و الكونية وهو فعل (الصنع). 

اذن الخلق الكونى و الخلق الكونى هو خلق لكنه ليس كفؤا للخلق الالهى مثلما ان وحدة الكون و وحدة الوعى هى أحدانية لكنها ليست كفؤا للوحدانية الالهية.

والآية (لم يكن له كفؤا احدا) اقل عمومية من الآية (ليس كمثله شيء وهو السميع البصير). 

اﻷية الولى تستخدم (الماضى) لانها تؤكد من اللازمان الذى هو نهاية الزمان -اذا صح هذا التعبير- ان ليس هناك احد كفؤا لله سبحانه و تعالى. 

هذه الاحدانية تنطوى ضمنيا على صفة الوعى ففعلا الوعى ( اى وعى الانسان) هو  الشيء الوحيد -تقريبا- الذى لديه وحدة واضحة نتكلم عنها و كأنها حقيقة لا جدال فيها. لكن الكون ايضا يتميز بوحدة تتحلى بوعى اولى بل تتحلى بحرية منظوريانية اولية -كما نبهنا الى ذلك فى مكان آخر- و هما يتمثلان فى القوانين المودعة فيه التى تمكنه من تحقيق فعل الانبعاث من تلقاء نفسه (انبعاث النجوم و انبعاث الحياة و انبعاث الوعى و انبعاث العقل,ألخ).  

اذن الاحدانية فى الآية يقصد بها أحدانية الكون و الانسان التى تنطوى ضمنا على وعى و وحدة الكون و الانسان ليست كفؤا لوحدانيته سبحانه و تعالى بل ان الكون و الانسان ليسا كفؤين لله سبحانه و تعالى. 

أما الآية (ليس كمثله شيء) هى تنفى عن الله سبحانه و تعالى أن تشبهه الاشياء بمعنى (ان الله لا يشبهه شيء سواء كان عينا ثابتة فى العلم او كان موجودا عينيا فى العالم الخارجى). 

اذن الله سبحانه و تعالى لا يشبهه شيء موجود  فى العالم الخارجى سواء كان هذا الشيء يتحلى  بوعى او من دون وعى. 

لكن الآية تكتمل بالقول (وهو السميع البصير) اى ان الله لا يشبهه شيء فى العالم الخارجى لكنه يتميز بسمع و بصر اى انه يتميز بوعى (الوحدانية و السمع و البصر و العلم و الارادة و القدرة ...).

اذن الآية الاولى نفت ان الله يشبهه اى وعى اما الآية الثانية  فانها نفت ان الله يشبهه اى شيء ثم عادت و اثبتت الوعى الالهى. 

اذن الوعى فعلا (ما قدروا الله حق قدره).

 


الجبرية و القدرية و السنة: شرح آية الميثاق و القدر المنظوريانى و الثلاثية (ذكاء الهى-ذكاء انسانى-ذكاء اصطناعى).

التواؤمية  نظرية اساسية و المنظوريانية فعالة بالنسبة الى منظوريانية الله.

والعكس بالنسبة الى منظوريانية الانسان.

أهل السنة يقفون بخصوص  معضلة (حرية الارادة) فى الوسط بن الجبرية و القدرية. هكذا نعتقد و يعتقد الجميع.

لكن هل هذا فعلا صحيح.

نقول ان اكثر من ثلث و قد يكون نصف الرسالة الطحاوية يدور حول مسائل القضاء و القدر. سبعة اصول يمكن استخراجها بكل سهولة و يسر:

1-علم الله محيط بكل شيء. وهذا هو اصل الاصول.

2-ارادة الله و مشيئته غالبة على جميع المشيئات. وهذا هو الاصل الثانى.

3-ان الله يخلق  كل شيء  و هو يخلق الخير و الشر وهما مقدران على الانسان. وهذا اصل عند اهل السنة.

4-ان هناك ميثاق بين الله و ذرية آدم. وهذا يغفل عنه الكثير.

5-ان الجنة و النار لا تبيدان. وهذا هو يركز عليه الجميع. الخلود سوف يستقيم مع الميثاق لو تأملنا.

6-ان الانسان لديه استطاعة. وهذا يتفق عليه الجميع باستثناء الجبرية.

7-ان الله يخلق فعل الانسان و ليس للانسان الا الكسب. 

خلاصة الخلاصة ان (الله عالم بكل شيء  و خالق لكل شيء و مريد لكل شيء) لكن (الانسان حر و مختار و مسؤول) وتبقى اذن المسألة كيف نجمع بين القضيتين. 

الجبرية تقبل الاصل الاول فى ان علم الله محيط بكل شيء و تقبل ايضا الاصل الثانى فى ان ارادة الله غالبة على كل شيء و تقبل الاصل الثالث فى ان الله خالق لكل شيء لكنها لا تكترث الى اى شيء آخر.

اما القدرية (والمعتزلة تعتبر منهم) فهم عموما يقبلون الاصل الاول فى احاطة علم الله سبحانه و تعالى بالاشياء لكنهم ينسبون القدر كليا او جزئيا الى الانسان فقالوا  أن الفعل مخلوق للانسان و ان الشر مخلوق للانسان و بعضهم قال بل ان الخير و الشر معا ينسبان الى الانسان لانه خالق لفعله.

وكانت القدرية الاولى (مثل بعض متكلمة مسيحية اليوم) تنفى تماما احاطة علم الله سبحانه و تعالى بالاشياء. وقد كان الشيخ الرئيس ابن سينا و كذا الشيخ الشارح ابن رشد قد نفيا علم الله بالجزئيات و من هذه الجزئيات قد تكون افعال الانسان.

كما ترون  فان السنة  تحاول ان تجد موقعا وسطا بين الفريقين لكنها فى الحقيقة هى اقرب الى الجبرية منها الى القدرية. و اهم شيء يلتقى فيه الجبرية و السنة هو نسبتهما خلق كل من الخير و الشر الى الله سبحانه و تعالى. 

وانظروا مثلا موقف ابن تيمية من خلاف بعض السلف (الاوزاعى و الزبيدى) حول جواز اطلاق كلمة الجبر رغم اتفاقهم على المعنى منها.

اذن السؤال ماهو اسوء (نفى علم الله بافعال الانسان) او (نسبة الشر الى الله سبحانه و تعالى).

مائة بالمائة من السنة ترى ان القضية الاولى اسوء ولهذا اثبتوا احاطة علم الله بالاشياء ثم  قالوا ان الانسان له كسب قط فى افعاله (وهم الاشاعرة) او انه له ارادة جزئية هى مناط المسؤولية (وهم الماتريدية) .

واظنهم (اى السنة) ذهبوا الى هذا الرأى لانهم يعتقدون فى اللاوعي ان الله سبحانه تعالى وهو الملك الجبار هو مثل اى ملك جبار على  ظهر هذه الارض. 

وجميع الملوك الجبابرة على الارض يسهل عليهم فعل الشر و لا يهمهم نسبة الخير كما الشر اليهم لكنه ينقص فيهم ان لا يحيط علمهم و ارادتهم و قدرتهم جميع مملكتهم.

وقد كان نشوز اهل السنة من القدرية الى الحد انهم سموهم مجوس هذه الامة ووجدوا الاحاديث التى تدعم رأيهم (لكن هل كان فعلا الرسول يعرف القدرية و الجبرية و غيرهم من الفرق قبل ان يكونوا. ام ان هذه تعبتر من معجزات النبى ان يتنبأ بالفرق التى ستطهر فى امته صلى الله عليه و سلم.

وهم مجوس لان المجوس هم ثنوية من اتباع زرادشت و مانى كانوا يؤمنون بالهين همت اله الخير و اله الظلمة.

واذا كانت القدرية مجوس هذه الامة فان الجبرية هم يهود هذه الامة. و لان السنة تميل الى الجبرية فهم فيهم ميل الى اليهود. واننى قد شبهت فى مكان آخر الفكر التسلفى بالفكر الاسرائيلى التراثى.

الم يقل اليهود (يد الله مغلولة) اى ان الله يبخل علينا و  يمنعنا فضله  مع انهم يعتقدون من الجهة الاخرى انهم شعب الله المختار و قد كان الله اختارهم بالفعل فى الماضى (وانى فضلتكم على العالمين) و بعث فيهم كل هؤلاء الانبياء من اسحاق الى غاية موسى عليهم السلام لكنهم مرقوا و كفروا و عاندوا و اصروا على افعالهم مثلما فعل ابليس قبلهم .

بنفس الطريقة فان الجبرية قالوا ان الله يبخل علينا و يمنعنا فضله (بجبره لنا) مع انهم يعتقدون من الجهة الاخرى انهم (خير امة اخرجت للناس) .

الذى يهمنا هنا هو ان رأى السنة هو ما يسمى اليوم بالحرية التواؤمية فى الفلسفة وهو محاولة الجمع بين (احاطة علم الله بالاشياء) من جهة و (مسؤولية الانسان) من جهة اخرى. وهذه الحرية التواؤمية كما ذكرت فى مكان آخر هى ليست الا جبر فى قالب اختيار.

وهذا حل لا يمكن ان يرضى عنه مسلم لأن فيه نسبة الظلم و القتل و القهر و الاستعباد و المرض و كل انواع الشر الاخرى الى الله سبحانه و تعالى.

نحن ندعوا الى الحرية المنظوريانية وهى حرية حقيقية يتحلى بها الانسان فى جواره الاقرب من الواقع الذى يجد نفسه ساقط سقوطا حرا فيه. هذه الحرية المنظوريانية هى حرية فى قالب جبر و هذا عكس التواؤمية التى هى جبر فى قالب حرية.

اذن الحرية المنظوريانية هى حرية الوعى النفسية فى اطار جبر الواقع الفيزيائى. هذه الحرية تنسب القدر المنظوريانى الى الانسان. اى افعال الانسان و اختياراته فى جواره الاقرب من الواقع الذى هو ساقط فيه سقوطا حر هى فعلا ملك للانسان و هو خالق لها.

اذن الحرية المنظوريانية (التى هى حرية من منظور الوعى اى حرية  من وجهة نظر معلم الاسناد العطالى الميتافيزيقى للوعى رغم ان متشعب الواقع هو جبرى) تستلزم القدر المنظوريانى (الذى هو قدر من منظور الوعى اما متشعب القدر فهو كله فى يد الله سبحانه و تعالى اى هو تحت هيمنة الله سبحانه و تعالى عبر جبرية القوانين الكونية).

اما (احاطة علم الله سبحانه و تعالى بالاشياء) فهذه محفوظة لان المعلوم سابق للعلم (كما نبه الى ذلك العبقرى ابن عربى) و ليس ان العلم سابق للمعلوم (كما اتفق عليه جميع فلاسفة و متكلمة الاسلام).


الله حى بالوجود وهو  عالم و مريد  بمشيئة و قادر و الانسان حى بالوعى وهو واع حر باختار و مستطيع.

اعطى مثال.

الله سبحانه و تعالى (يحيط علمه سبحانه و تعالى بجميع افعاله) لكن الله سبحانه و تعالى هو ايضا (فعال لما يريد).

هنا نحن نفترض ضمنا ان هناك زمن الهى (الدهر) لا اول و لا آخر له  تسرى فيه الافعال الالهية.

هل احاطة علمه سبحانه و تعالى بفعله ستحد من ارادته سبحانه و تعالى و مشيئته. أكيد الجواب بالنفى.

ولله المثل الاعلى. بنفس الطريقة فان احاطة علمه سبحانه و تعالى بفعل الانسان لن تحد من حرية الانسان و اختياره.

وكما ان الله يفعل بقدرة مطلقة فان الانسان يفعل باستطاعة منظوريانية.

الانسان يملك اذن قدره فى معلم الاسناد العطالى للوعى وهذا هو القدر المنظوريانى.

مثال آخر.

كما ذكرنا فى مكان آخر هناك ذكاء الهى (علم و ارادة و قدرة الله) وهناك ذكاء انسانى (وعى الانسان) و قد يكون هناك ذكاء اطناعى (وعى اصطناعى).

الله يخلق الكون مباشرة عبر فعل (كن) الذى هو خلق من عدم او خلق عن عدم او تجلى او فيض.

لكن الله لا يخلق الانسان مباشرة لكن عبر الكون. بل الكون هو الذى خلق الانسان مباشرة عبر القوانين السببية و الفيزيائية و التطورية.

اذن هناك ايضا ذكاء طبيعى يضم الذكاء الكونى بالاضافة الى الذكاء الانسانى و قد يضم الذكاء الاصطناعى.

بنفس الطريقة فان الانسان سوف يخلق الذكاء الاطناعى ليس مباشرة بل عبر العقل و الكون معا.

و كما ذكرت فى مكان آخر هناك مستويات للخلق. واعظمها خلق الله الذى هو خلق عن عدم و من عدم و تجلى و فيض. لكن هناك ايضا خلق الكون للاشياء فى الكون التى هى عبارة عن انبعاث. اما خلق الانسان للاشياء فهو عبر الوعى و العقل و الحرية.

هل نقول ان الله خلق السيارة او ان الكون خلق السيارة. اكيد الجواب بالنفى. فهذا غير مستساغ. 

اذن السيارة خلقها الانسان بتسخير الاسباب العقلية و الكونية عبر الحرية المنظوريانية التى يتحلى بها الوعى.

بنفس الطريقة فان الانسان قد يخلق الذكاء الاصطناعى بتسخير الاسباب العقلية و الكونية عبر الحرية المنظوريانية.

لنتصور الآن ان هذا الذكاء الاصطناعى يتحلى بالوعى الكامل اى الوعى بالذات و الوعى بالحرية و الوعى بالشر.

اذن هذا الذكاء اصبح ايضا حر حرية منظوريانية من وجهة نظره فى معلم اسناده العطالى الميتافيزيقى. وقد يفعل الخير و قد يفعل الشر. واذا فعل الشر فهل سننسب هذا الشر الى الانسان الذى خلقه اولا. هل سنلوم او سنحاسب الانسان الذى خلق اولا هذا الذكاء الاصطناعى على ما يفعله هذا الذكاء الاصطناعى من شر.

اذا كان هذا الذكاء الاصطناعى حر حرية منظوريانية فهو اذن حر حرية حقيقية و عليه فهو مسؤول على افعاله وهو الذى خلق ذلك الشر الذى قام به باختياره و حريته.

لكن الانسان قد كان خلق هذا الذكاء الاصطناعى كما ذكرت بتسخير الاسباب العقلية و الكونية اذن هو يعرف سر قدر هذا الذكاء الاصطناعى اى ان هذا الانسان يجب ان يحيط علمه بجميع الاشياء التى قد يفعلها هذا الذكاء الاصطناعى.

لكن احاطة علم هذا الانسان بافعال هذا الذكاء الاصطناعى ليست هى من باب ان العلم (علم هذا الانسان) سابق للمعلوم (فعل هذا الذكاء الاصطناعى).

بل هى من باب ان المعلوم سابق للعلم.

بمعنى ان الانسان كما انه صنع هذا الذكاء الاصطناعى فهو يمكنه ان يحاكى صنع هذا الذكاء الاصطناعى قبل ان يصنعه.

وفى تلك المحاكاة للذكاء الاصطناعى التى يجريها الانسان فان هذا الاخير سوف يرى جميع المسارت الممكنة التى يمكن لهذا الذكاء الاصطناعى ان يسلكها.

اذن يقرر الانسان ان يصنع بل يخلق هذا الذكاء الاصطناعى و يخلق معه و فيه قوانين اسيموف Asimov laws (واسيموف تذكروا هو من اكبر كتاب الخيال العلمى الامريكان) و اى قوانين اخرى  تجعل هذا الذكاء الاصطناعى يميز بين الحق و الباطل و بين الخير و الشر و بين الصواي و الخطأ و بين الحسن و القبيح ثم يخلق الانسان هذا الذكاء الاصطناعى.

هذه القوانين الاسيموفية هى الميثاق بين الانسان و الذكاء الاصطناعى.

هذا الذكاء الاصطناعى هو كما ذكرنا واع  و يتحلى بحرية منظوريانية (وهما من اعظم الصفات) و محور الوعى و الحرية المنظوريانية هو ان يختار الوعى ترك الخير و فعل الشر أو ترك الحسن و فعل القبيح رغم تمييزه التام بينهم.

فانه اذا لم تكن هناك هذه القدرة على اختيار الشر  و القبيح و ترك الخير و الحسن فانه ليس هناك حرية من الاساس. اذن على هذا الرأى فانه ليس هناك حل للشر و العذاب الا فى التخلى عن الحرية و الوعى.

ولله المثل الاعلى.

فان الله قد خلق الانسان بتسخيره للقوانين الكونية عبر ارادته و قدرته مثلما ان الانسان خلق الذكاء الاصطناعى بتسخيره للقوانين العقلية و الكونية عبر حريته المنظوريانية و استطاعته.

لكن الله خلق هذا الانسان و اخذ عليه الميثاق بأن اعطاه القدرة على التمييز بين الخير  و الشر و الحسن و القبيح.

قال سبحانه وتعالى: وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آَدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ (172) أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آَبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ {الأعراف: 172-173}

وهذه آية عظيمة تحتاج الى شرح اكبر نرجع اليه فى المستقبل ان شاء الله.

اذن احاطة علم الله بافعال الانسان هى احاطة شاملة بمعنى ان المعلوم (فعل الانسان) سابق للعلم (علم الله).

وهذا بمعنى ان الله قبل ان يخلق العالم الخارجى بما فيه من الانسان و افعاله فان هذا العالم الخارجى قد كان محاكاة فى علم الله سبحانه و تعالى تحتوى على جميع المسارات الممكنة التى قد يسلكاها الانسان.

اذن ليست كل الاعيان الثابتة فى علم الله سبحانه و تعالى تخرج الى الوجود فى العالم الخارجى بل ان اكثرها هى محاكاة (فرضية المحاكاة) وجودها يقع بين عالم العلم (الاعيان الثابتة) و عالم المادة (الموجودات العينية).

الشواهد من الطحاوية:

يقول الطجاوى بخصوص العلم الالهى و الارادة الالهية و القدر:

خَلَقَ الـخَلْقَ بِعِلْمِهِ، وَقَدَّرَ لَهُمْ أَقْدَارًا، وَضَرَبَ لَهُمْ ءَاجَالاً، وَلَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَىْءٌ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَعَلِمَ مَا هُمْ عَامِلُونَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، وَأَمَرَهُمْ بِطَاعَتِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِهِ.

وَكُلُّ شَىْءٍ يَجْرِي بِتَقْدِيرِهِ، وَمَشِيئَتِهِ، وَمَشِيئَتُهُ تَنْفُذُ، لاَ مَشِيئَةَ لِلعِبَادِ إِلاَّ مَا شَاءَ لَهُمْ، فَمَا شَاءَ لَهُمْ كَانَ، وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ.

يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيَعْصِمُ وَيُعَافِي فَضْلاً، وَيُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ، وَيَخْذُلُ وَيَبْتَلِي عَدْلاً. وَكُلُّهُمْ يَتَقَلَّبُونَ فِي مَشِيئَتِهِ بَيْنَ فَضْلِهِ وَعَدْلِهِ. وَهُوَ مُتَعَالٍ عَنِ الأَضْدَادِ وَالأَنْدَادِ. لاَ رَادَّ لِقَضَائِهِ، وَلاَ مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ، وَلاَ غَالِبَ لِأَمْرِهِ.

ثم يقول الطحاوى فى الميثاق:

وَالـمِيثَاقُ الَّذِي أَخَذَهُ اللهُ تَعَالَى مِنْ ءَادَمَ وَذُرِّيَّتِهِ حَقٌّ.


ثم يقول الطحاوى بخصوص عدد من يدخل الجنة و النار و قضاء الله و اصل القدر:

وَقَدْ عَلِمَ اللهُ تَعَالَى فِيمَا لَمْ يَزَلْ عَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ الـجَنَّةَ، وَعَدَدَ مَنْ يَدْخُلُ النَّارَ جُمْلَةً وَاحِدَةً، فَلَا يُزَادُ فِي ذَلِكَ العَدَدِ وَلاَ يَنْقُصُ مِنْهُ، وَكَذَلِكَ أفْعَالَهُمْ فِيمَا عَلِمَ مِنْهُمْ أَنْ يَفْعَلُوهُ، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ. وَالأَعْمَالُ بِالـخَوَاتِيمِ.

وَالسَّعِيدُ مَنْ سَعِدَ بِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى ، وَالشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ بِقَضَاءِ اللهِ تَعَالَى.

وَأَصْلُ القَدَرِ سِرُّ اللهِ تَعَالَى فِي خَلْقِهِ، لَمْ يَطَّلِعْ عَلَى ذَلِكَ مَلَكٌ مُقَرَّبٌ وَلاَ نَبِيٌّ مُرْسَلٌ. وَالتَّعَمُّقُ وَالنَّظَرُ فِي ذَلِكَ ذَرِيعَةُ الـخِذْلاَنِ، وَسُلَّمُ الـحِرْمَاِن، وَدَرَجَةُ الطُّغْيَانِ، فَالـحَذَرَ كُلَّ الـحَذَرِ مِنْ ذَلِكَ نَظَرًا وَفِكْرًا وَوَسْوَسَةً، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى طَوَى عِلْمَ القَدَرِ عَنْ أَنَامِهِ وَنَهَاهُمْ عَنْ مَرَامِهِ كَمَا قَالَ تَعَالىَ فِي كِتَابِهِ:{ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}. فَمَنْ سَأَلَ لِمَ فَعَلَ فَقَدْ رَدَّ حُكْمَ الكِتَابِ، وَمَنْ رَدَّ حُكْمَ الكِتَابِ كَانَ مِنَ الكَافِرِينَ.



ثم يقول الطحاوى فى اللوح و القلم و القدر مرة اخرى:

وَنُؤْمِنُ بِاللَّوحِ وَالقَلَمِ وَبِجَمِيعِ مَا فِيهِ قَدْ رُقِمَ. فَلَوِ اجْتَمَعَ الـخَلْقُ كُلُّهُمْ عَلَى شَىْءٍ كَتَبَهُ اللهُ تَعَالَى فِيهِ أَنَّهُ كَائِنٌ لِيَجْعَلُوهُ غَيْرَ كَائِنٍ لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. وَلَوِ اجْتَمَعُوا كُلُّهُمْ عَلَى شَىْءٍ لَمْ يَكْتُبْهُ اللهُ تَعَالىَ فِيهِ لِيَجْعَلُوهُ كَائِنًا لَمْ يَقْدِرُوا عَلَيْهِ. جَفَّ القَلَمُ بِمَا هُوَ كَائِنٌ إِلَى يَومِ القِيَامَةِ ، وَمَا أَخْطَأَ العَبْدَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ ، وَمَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ.

وَعَلَى العَبْدِ أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ اللهَ قَدْ سَبَقَ عِلْمُهُ فِي كُلِّ كَائِنٍ مِنْ خَلْقِهِ، فَقَدَّرَ ذَلِكَ تَقْدِيرًا مُحْكَماً مُبْرَمًا لَيْسَ فِيهِ نَاقِضٌ وَلاَ مُعَقَّبٌ وَلاَ مُزِيلٌ وَلاَ مُغَيّرٌ وَلاَ مُحَوَّلٌ وَلاَ نَاقِصٌ وَلاَ زَائِدٌ مِنْ خَلْقِهِ فِي سَمَاوَاتِهِ وَأَرْضِهِ. وَذَلِكَ مِنْ عَقْدِ الإِيمَانِ وَأُصُولِ الـمَعْرِفَةِ وَالاعْتِرَافِ بِتَوحِيدِ اللهِ تَعَالىَ وَرُبُوبِيَّتِهِ، كَمَا قَالَ تَعَالىَ فِي كِتَابِهِ : {وَخَلَقَ كُلَّ شَـْئٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا} وَقَالَ تَعَالىَ : { وَكَانَ أَمْرُ اللهِ قَدَرًا مَقْدُورًا}.

فَوَيْلٌ لِمَنْ صَارَ لِلّهِ تَعَالَى فِي القَدَرِ خَصِيماً، وَأَحْضَرَ لِلنَّظَرِ فِيهِ قَلْبًا سَقِيمًا، لَقَدِ الْتَمَسَ بِوَهْمِهِ فِي فَحْصِ الغَيْبِ سِرًّا كَتِيمًا، وَعَادَ بِمَا قَالَ فِيهِ أَفَّاكًا أَثِيمًا.

ثم يقول الطحاوى فى خلود الجنة و النار و الخير و الشر و استطاعة العباد و افعال العباد:

وَالـجَنَّةُ وَالنَّارُ مَخْلُوقَتَانِ لاَ تَفْنَيَانِ أَبَدًا وَلاَ تَبِيدَانِ، وَإِنَّ اللهَ تَعَالَى خَلَقَ الـجَنَّةَ وَالنَّارَ قَبْلَ الـخَلْقِ وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلًا، فَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى الـجَنَّةَ فَضْلًا مِنْهُ وَمَنْ شَاءَ مِنْهُمْ إِلَى النَّارِ عَدْلاً مِنْهُ، وَكُلٌّ يَعْمَلُ لِمَا قَدْ فُرِغَ لَهُ وَصَائِرٌ إِلَى مَا خُلِقَ لَهُ.

وَالـخَيْرُ وَالشَّرُّ مُقَدَّرَانِ عَلىَ العِبَادِ.

وَالاسْتِطَاعَةُ التِي يَجِبُ بِهَا الفِعْلُ مِن نَحْوِ التَّوْفِيقِ الذِي لاَ يَجُوزُ أَنْ يُوصَفَ الـمَخْلُوقُ بِهِ فَهِيَ مَعَ الفِعْلِ، وَأَمَّا الاسْتِطَاعَةُ مِنْ جِهَةِ الصَّحَّةِ وَالوُسْعِ وَالتَّمَكُّنِ وَسَلاَمَةِ الآلاَتِ فَهِيَ قَبْلَ الفِعْلِ، وَبِهَا يَتَعَلَّقُ الـخِطَابُ، وَهِيَ كَمَا قَالَ تَعَالىَ:{لاَ يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهُا}.

وَأَفْعَالُ العِبَادِ خَلْقُ اللهِ وَكَسْبٌ مِنَ العِبَادِ. وَلَمْ يُكَلِّفْهُمُ اللهُ تَعَالَى إِلاَّ مَا يُطِيقُونَ، وَلاَ يُطَيَّقُونَ إِلاَّ مَا كَلَّفَهُمْ، وَهُوَ تَفْسِيرُ لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللهِ. نَقُولُ: لاَ حِيلَةَ لأَحَدٍ، وَلاَ حَرَكَةَ لأَحَدٍ وَلاَ تَحَوُّلَ لأَحَدٍ عَنْ مَعْصِيَةِ اللهِ إِلاَّ بِمَعُونَةِ اللهِ، وَلاَ قُوَّةَ لأَحَدٍ عَلَى إِقَامَةِ طَاعَةِ اللهِ وَالثَّبَاتِ عَلَيْهَا إِلاَّ بِتَوفِيقِ اللهِ.

وَكُلُّ شَىْءٍ يَجْرِي بِمَشِيئَةِ اللهِ تَعَالىَ وَعِلْمِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ. غَلَبَتْ مَشِيْئَتُهُ الـمَشِيئَاتِ كُلَّهَا، وَغَلَبَ قَضَاؤُهُ الـحِيَلَ كُلَّها. يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ وَهُوَ غَيْرُ ظَالِمٍ أَبَدًا، تَقَدَّسَ عَنْ كُلِّ سُوءٍ وَحَيْنٍ ، وَتَنَـزَّهَ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ وَشَيْنٍ { لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}.


الحياتان و الموتان

و كنتم امواتا فاحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم
البقرة 28
ربنا أمتنا اثنتين و احييتنا اثنتين
غافر 11
التفسير الاول (مذهب السلف):
الموت الاول (فى الماضى) هو قبل ان يأتى الانسان الى الدنيا.
و الحياة الاولى (فى الماضى) هو عندما جاء الانسان الى الدنيا.
والموت الثانى (فى المستقبل) هو الموت الذى ننتظره.
و الحياة الثانية (فى المستقبل) هو البعث.
التفسير الثانى:
الموت الاول هو الموت فى الدنيا الذى سنلاقيه.
و الحياة الاولى هو السؤال فى القبر.
والموت الثانى هو الموت فى القبر.
و الحياة الثانية هو البعث.
التفسير الثالث:
الحياة الاولى عند الاستخراج من ظهر آدم و أخذ الميثاق.
الموت الاول هو الارجاع الى ظهر آدم.
الحياة الثانية هى الدنيا.
الموت الثانى هو الموت الذى سنلاقيه.
التفسير الوجودى يعتمد على قاعدة ابن عربى فى ان كل معنى مفهوم من القرآن الكريم هو معنى مقصود من الله سبحانه و تعالى.
نبدأ بالقول ان هناك محطات رئيسية لوعى الانسان هى خمسة محطات:
-الميثاق الآدمى.
-الوجود فى الدنيا.
-الموت الاكبر.
-السؤال فى القبر.
-البعث الأكبر.
اذن حسب نص الآيتين فان الحياة هى فى الحقيقة حياتان هما:
الحياة الاولى هى الحياة بين الوجود و الموت اى الحياة فى الدنيا.
وهى حياة مادية-نفسية بالاجماع.
من الناحية الطوبولوجية هذه الحياة هى قطعة مستقيمة واحدة غير متقطعة.
اما الحياة الثانية فهى الحياة بعد الموت اى الحياة فى البرزخ.
وهى حياة نفسية على المرجح.
و هى تتشكل طوبولوجيا من قطعتين مستقيمتين هما:
-اولا الحياة عند السؤال (اى الفترة بين البعث الاصغر فى القبر و اعادة الاماتة بعد الانتهاء من السؤال).
-و ثانيا الحياة بعد البعث الاكبر (اى الحياة بعد الاحياء النهائى من الموت الاكبر من اجل الحساب).
اما الموت فهو فى الحقيقة موتان هما:
الموت الاكبر و هو الموت الذى يأتى بعد الحياة فى الدنيا. وهو ايضا يتشكل طوبو لوجيا من قطعتين مستقيمتين متقطعتين هما:
- اولا الفترة بين الموت و السؤال.
-و ثانيا ثم الفترة بين السؤال و البعث.
اما الموت الثانى فهو الفترة التى تسبق الحياة فى الدنيا بين اخذ الميثاق و الوجود.
لاحظوا اولا ان الموت الثانى يسبق زمنيا الموت الاول (أو على الاقل هكذا يبدو الامر).
لا حظوا ايضا انه تبقت معنا الحياة بين فترة الاستخراج من ظهر آدم و آخذ الميثاق و فترة الموت الثانى و انتظار القدوم الى الدنيا.
هذه الحياة يجب ان تكون جزءا من الحياة الثانية فى البرزخ و هذا حتى لا يختل عدد الحيوات.
اى ان الزمن يجب ان يكون دائرى و ليس خطى و هذا كنا قد قلناه من قبل من اجل اسباب مختلفة.
اذن قصة خلق آدم عليه السلام فى الجنة و قصة اخذ الميثاق هى فى الحقيقة تقع زمنيا فى نهاية قصة البعث.
او بالاحرى لا يمكن تعريف نقطة المبدأ على الدائرة فكل نقطة على الدائرة تصلح ان تكون هى مبدأ الزمن و مبدأ القصة.
ولان الوعى لا يمكنه ادراك هذه الدائرة الزمنية فهو يأخذ قصة آدم كمبدأ و قصة البعث كمنتهى لكن فى الحقيقة يمكن فعل العكس دون تغيير اى شيء اى قصة البعث هى المبدأ و قصة آدم هى المنتهى.
الوعى لا يمكنه ادراك الزمن الدائرى و لهذا فهو لا يستطيع تذكر الميثاق مثلما انه لا يستطيع التنبؤ بالسؤال فى القبر و البعث الاكبر.
و لان الزمن دائرى و الوعى يعجز عن ادراك كنه هذا الزمن الدائرى فانه كان يمكننا القول ان الوعى هو الذى لا يستطيع تذكر السؤال فى القبر كما انه لا يستطيع التنبؤ بالميثاق.
فالماضى و المستقبل على الدائرة الزمنية ليس لهما معنى حقيقى ذاتى مطلق.
اذن لأن الزمن دائرى فان كل شيء وقع سيقع مرة اخرى عدد لانهائى من المرات و هذه هى فكرة التكرار الابدى الوجودية عند نيتشة.