LATEX

عبقرية كارل جونغ

 وكنت متوقفا بشأن كثير من الامور اللاطبيعية مثل - حقيقة الاحلام و تأثير الحسد و العين و التنجيم و ما يسمى علم الاعداد و التفاؤل و التشاؤم و القوى الخارقة للطبيعة و الخطوة و التخاطر و السحر و الخيمياء- و غيرها من الامور التى لا تخضع لسطة العلم و مبدأ السببية و هيمنة العقل.

لكن شخص واحد غير رأيى فى هذا الموضوع هو كارل جونغ و هذا فى مدة اقل من اربعة سنوات.
فهذه المواضيع قد يكون لها حقيقة خفية و مجال دراستها هو علم النفس الورائى parapsychology.
و اننى اعتبر كارل جونغ من الاكتشافات الفكرية المتأخرة بالنسبة لى.
و لو كنت اكتشفته قبل عشرين او ثلاثين سنة لتغيرت كثير من الافكار الخاطئة و المخطوءة و لما ضيعنا وقت عظيم على فكر و افكار هدامة لا يهمها الا الربح و الخسارة الشخصية و المذهبية على حساب الحقيقة و الحق.
كارل جونغ تشعر انه يريد فعلا ان يقنعك و يريد لك الخير فهو من الواضح انه لا يهمه ان يربح او يخسر الفكرة اما كثير من الفكر الموجود هنالك فان همهم الغلبة و لا يهم شيء آخر.
و فى قراءتى لكارل جونغ و صراعه المرير مع فرويد و العزلة الشديدة التى تعرض لها بسبب ذلك عرفت ان اساس الصراع بينهما هو ليس الجنس و عقدة اوديب كما كنت اعتقد -ولو انها لعبت دورا فى الخلاف- لكن محور الخلاف بينهما يرتكز على المعرفة الغمائضية او الاوكولت occult التى يدافع عنها جونغ بل هى مرتكز مدرسته النفسية لكن نجد فرويد يرفضها رفضا باتا.
الاوكولت occult او المعرفة الغمائضية -وهذا تعريبى- هو كل معرفة لا تخضع للطريقة العلمية و على رأسها التصوف و الروحانيات و الدين بصفة عامة لكن ايضا تضم السحر و التنجيم و غيرها من علوم الظلام.
هذه الامور جميعها يريد ان يضمها جونغ الى حضن العلم و يعتقد ان هناك حقيقة ورائها فهى ليست خرافات و خزعبلات فقط بل تنطوى على حقيقة كثيرة لا يمكن للعلم ان يصل اليها بطرقه و اساس هذا الاعتقاد عنده هو ما يسمى السنكرونيسيتى synchronicity او التزامن (وهذا ايضا تعريبى).
و التزامن هو تأثير اضافى فى الكون زائد على تأثير السببية. و قد تكلمت عنه كثيرا من قبل.
واذا كان البعض يصر على السببية وهم محقون تماما.
فان الغزالى بنفيه للسببية قد حولها تقريبا الى شيء يشبه التزامن و هو يسميه مبدأ العادة.
الحقيقة ان هناك سببية صلبة لا يمكن نكرانها تحكم العالم و العقل و مجال المعرفة لكن هناك ايضا كما يقول جونغ تزامن و هو ليس السببية بل هو شيء يحكم مثلا عالم الاحلام و الرؤيا فى النوم و عالم القوى الخارقة الذى لا نستطيع نفى وجوده لان العلم لا يستطيع البرهان على استحالته -و الكرامات هى قوى خارقة و المعجزات هى قوى اخرق تدمر بالكامل مبدأ السببية-.
اذن العالم الغمائضى تحكمه السببية و التزامن معا.
واننى شخصيا قد تبنيت التزامن فى تفسيرى للميكانيك الكمومى -حيث ان انهيار دالة الموجة عند الرصد هو تأثير تزامنى بين الراصد و المرصود-.
والعلاقة بين العقل و الجسم هى ايضا قد تكون تزامن و ليست سببية كما يعتقد الاغلبية -واقرب من قال بهذا هو ليبنيز بفكرة التوازوية parallelism-.
بل ان فكرة ان العلاقة بين العقل و الجسم يجب فعلا ان تكون تزامن هى فكرة جونغ مع الفيزيائى النظرى باولى فقد كتبا كتابا كاملا مشتركا حول هذا الموضوع. فالعبقرى باولى رغم عدم حاجته الى شيء بعد نجاحه الساحق فى الفيزياء النظرية فانه كان يحتاج الى فهم العلاقة بين المادى و الروحى و لم يجد الا جونغ و مفهوم التزامن عنده كنقطة انطلاق.
اذن المعرفة الغمائضية هى محاولة سبر العالم الذى لا يخضع لسطوة العلم -اى على الاقل فى المرحلة الحالية- لكن بطرق علمية و هذا هو رأى كارل جونغ.
وكل هذا العالم هو عالم خيالى بالنسبة لمن يرفض المعرفة الغمائضية لكن بالنسبة لجونغ فان عالم الخيال لا يقل حقيقة عن العالم المادى.
وقد كانت هذه هى فكرة ابن عربى -فى ان عالم الخيال اكثر حقيقية من عالم الواقع- هى نقطة انطلاقى فى اكتشاف جونغ.
ولهذا انطلقت و ذهبت الى جونغ و قراءته و تركت ابن عربى و لو الى حين ان شاء الله.
لان الخيال الذى يتكلم عنه جونغ هو خيال فى النفس الانسانية يمكن للعقل ان يدركه اما الخيال الذى يتكلم عنه ابن عربى فهو خيال فى النفس الالهية وهذا اذن مفهوم من اعقد مفاهيم ابن عربى.
اذن مفهوم الخيال عند جونغ يعتمد بالاساس على فكرة التزامن و هذه الفكرة هى اساس فلسفة الدين عند جونغ و بدون هذه الفكرة فانه لا فرق بين فرويد و جونغ.
فعند فرويد فان الدين هو تفاعلات نفسية داخلية سببية.
اما عند جونغ فان الدين هو تفاعلات نفسية داخلية سببية لكنها تتأثر تزامنيا مع الخارج فهى ليست معزولة و لا هى موهومة فى النفس.

No comments:

Post a Comment