LATEX

الحكمة الالهية او المجهول الميتافيزيقى الاكبر

 يقول هيوم ان اكبر مجهول هو الموت.

ثم يأتى كانط و يقول بل ان اكبر مجهول هو الله.
ثم يأتى نيتشة و يقول بل ان اكبر مجهول هو العبثية.
اقول شخصيا ان اكبر مجهول هو ليس الموت و لا هو الله و لا هى العبثية بل اكبر مجهول هى حكمة الله سبحانه و تعالى اذا كان الله موجودا وهذا اذن هو تحدى اضافى للايمان بالاضافة الى تحدى كانط.
ثم اقول مع ابن عربى ان الموت الذى أرعب هيوم هو نفسه الله الذى ارعب كانط و هى نفسها العبثية التى تحكم الكون والتى ارعبت نيتشة. وبهذا نكون قد اختزلنا عدد المجاهيل من ثلاثة الى 1.
و الحقيقة ان الموت هو أكبر مجهول بالنسبة للعلم.
أما الله فهو أكبر مجهول بالنسبة للايمان.
والعبثية فهى أكبر مجهول بالنسبة للدهرية.
وبعد توحيد هذه المجاهيل فان الموت هو ليس الا اله العلم اما العبثية فهى ليست الا اله الدهرى. أما الله بالنسبة للمؤمن فيبقى المجهول الحقيقى. اذن فعلا اختزلنا عدد المجاهيل من ثلاثة الى 1.
ثم ان العلم هو الدهرية نفسها احببنا ذلك ام كرهناه. هذه هى الحقيقة المرة التى يجب قبولها على مضض. وهذا اذن اختزال آخر للمجاهيل. و تذكروا فان الفيزياء العظيمة بل الرياضيات الاعظم تبحثان عن اقل عدد ممكن من المجاهيل.
لكن الحكمة الالهية تعاود و تزيد عدد المجاهيل الى 2 وهذا يضعف موقف المؤمن مرة اخرى بل يضعفه اضعافا كثيرة بالمقارنة مع موقف الدهرى و العلمى.
و بالنسبة للمؤمن فان اكبر مجهول هو ليس الله بل هى حكمة الله. وهذا المجهول هو اكبر المجاهيل على الاطلاق.
و كما يقول المثل الامريكى الدارج (الله يعمل بطرق غامضة God works in mysterious ways).
واقول ان رهان المؤمن على وجود الله اخطر بسنوات ضوئية لو كان خاطئا من رهان الدهرى على عدم وجود الله لو كان خاطئا.
وهو رهان بالفعل.
لانه كما قرر كانط لا يوجد برهان على وجود الله حاسم شامل نهائى رغم قوة بعض تلك البراهين . فمثلا البرهان الانطولوجى ليبنيز-و-غودل هو فى غاية الاحكام الرياضى.
لكن التحقيق هو ما قدمه كانط فى أنه لا يوجد برهان على وجود الله و كل ما هنالك هو فى الحقيقة اختيار منظوريانى perspectival choice يلتقى فيه الوعى (الذى يسميه القرآن القلب) بالحرية (التى يسميها القرآن بالمشيئة).
هذا الاختيار المنظوريانى هو اختيار نقوم به ثم نحاول بعد ذلك البرهان عليه. اذن هو مسلمة فى الحقيقة.
هذا ما يفعله جميع المؤمنين فى براهينهم على وجود الله سبحانه و تعالى و صفاته باستثناء الكشف الذى هو منظوريانية بحتة لكنها لا تفيد العلم الا لصاحبها.
بل حتى الوحى الذى هو ايضا منظوريانية لا تفيد العلم الا اذا كان مقترنا مع معجزة النبى فيقع عند ذلك العلم.
اذن الله هو مسلمة اذا تساوق فيها الوعى مع العلم و الواقع فان الضمير يصبح معذورا.
اذن الايمان بالله هو رهان اخطر من عدم الايمان به لانه اذا لم يكن صحيحا فان الانسان يكون قد خسر الارض و لن يربح شيئا تحت الارض حيث لن يجد شيئا.
اما لو كان الرهان على عدم الايمان غير صحيح فان الانسان سوف يجد الله تحت الارض و الله افضل الحاكمين.
ان تجد الله افضل من ان لن تجد شيئا و لذا فان رهان المؤمن اخطر من رهان الدهرى.
لكن هناك فعلا كفار بالتعريف القرآنى.
وهم الذين تم تبليغهم و اقيمت عليهم الحجج و ظهرت امامهم المعجزات لكنهم عاندوا رغم انهم يعرفون الحق (يعرفونه كما يعرفون ابناءهم) مثل فرعون و اليهود و قريش و قوم نوح و غيرهم فهؤلاء لم يتساوق عندهم الوعى مع العلم و الواقع (ختم الله على قلوبهم و على سمعهم و على ابصارهم غشاوة).
اذن هناك المؤمن و هناك الدهرى و هناك الكافر فالدهرى و الكافر ليسا بالضرورة نفس الشيء.
اذن اليهود و قريش كانا يعرفان النبى. اليهود بما فى أيديهم من الكتاب و قريش بما تعرفه من العربية. لكنهم جادلوا و كفروا رغم انهم يعرفونه -اى النبى صلى الله عليه و سلم- كما يعرفون اولادهم فختم الله على وعيهم غشاوة.
و هؤلاء الكفار من اليهود و قريش و قوم فرعون و غيرهم هم اشر الخلق لان الدليل قام عندهم على صحة دعوة النبى لكنهم صم بكم لا يعقلون وهم على ذلك شر الخلق (ان شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون و هم ايضا الذين كفروا فهم لا يؤمنون).
اذن رهان المؤمن اخطر من رهان الدهرى. اما وجود الكافر فى هذه المعادلة فهو يرجح صحة رهان المؤمن على صحة رهان الكافر. فبعض الكفار يرون افضل من رؤية كثير من المؤمين لكنهم لا يؤمنون. وهذا يجعلنا نطمئن الى رهاننا باذن الله.
لكن بالنسبة الى المؤمن فان اكبر رهان هو فهم حكمته سبحانه و تعالى من خلق هذا العالم و من خلق كل هذا الكفر و الشر و القتل و الظلم و الفساد فى هذا العالم فهى حكمة يعجز العقل عن ادراك الغاية من وراءها رغم ان العقل ادرك و لو بصورة تقريبية او احتمالية مجاهيل الموت و العبث و الله لكبار الفلاسفة.
أشير فى الاخير ان فهم هذه الحكمة او ايجاد نموذج او نسق احتمالى و تقريبى لفهم هذه الحكمة هو احد الاهداف الاساسية لمدونة الوعى و الوجود وهذا تعبير آخر عن جميع المعضلات التى تؤرقنى و تقض مضجعى.

No comments:

Post a Comment