تجربة ستارن-غارلاش Stern-Gerlach experiment هى واحدة من اعظم تجارب الفيزياء الكمومية.
هى التجربة التى حسمت المعركة نهائيا لمصلحة الميكانيك الكمومى على حساب الميكانيك الكلاسيكى و لم يبقى ادنى شك فى صحة نظرية الميكانيك الكمومى.
حتى ان باولى قال بخصوص ستارن بعد خروج نتيجة التجربة (لعله اقتنع الآن).
بالفعل فان اكبر المتشككين فى الميكانيك الكمومى كان اوطو ستارن Otto Stern نفسه الذى فكر و خطط و نفذ هذه التجربة بعبقرية و نجاح باهرين.
بالخصوص فان ستارن كان متشككا كثيرا ببوهر Bohr و خاصة فى شرط تكميم العزم الحركى angular momentum quantization condition الذى شرح به بوهر طيف spectrum ذرة الهيدروجين فى نموذجه الشهير باسم نموذج بوهر Bohr model و الذى يسمى ايضا النظرية الكمومية القديمة old quantum theory و الذى سبق نظرية الميكانيك الكمومى التى نعرفها اليوم باكثر من 10 سنوات.
هذا الشرح او التفسير الذى قدمه بوهر للتجربة هو فعلا خاطئ كما نعلم اليوم لكن بوهر فى المحصلة لم يكن حدسه خاطئ فهو تنبأ بنتيجة التجربة اعتماد على النظرية القديمة للميكانيك الكمومى او نموذج بوهر.
ستارن اصر على ان بوهر خاطئ و راهن على ترك الفيزياء اذا كان شرط تكميم العزم الحركى (الذى كان يسمى آنئذ شرط التكميم الفضائى space quantization condition) خاطئا.
وكل من راهن ضد بوهر خسر.
حتى اينشتاين راهن ضد بوهر فيما بعد وخسر رهانه. لكن ستارن لم يكن يعلم بعد بصعوبة تخطئة بوهر (حتى لو كان خاطئا).
اذن ستارن راهن على ان حزمة beam مشكلة من ذرات الفضة اذا مرت عبر حقل مغناطيسى غير منتظم non-uniform فهى لن تنشطر. لان كل الزوايا مسموح بها.
وراهن بوهر على انها يجب ان تنشطر و يجب ان تنشطر الى قسمين لان الزوايا المسموح بها متقطعة discrete و فى هذه الحالة فهى تأخذ قيمتين ممكنتين فقط.
ستارن راهن على عدم الانقسام لانه كان مازال كلاسيكيا الى حد بعيد لا يصدق بعد بمعجزات الميكانيك الكمومى.
وبوهر راهن على الانقسام لانه هو نبى الكمومى.
حزمة ذرات الفضة فعلا انشطرت الى شطرين. هذا هو الذى نراه فى التجربة واول من رأى ذلك كان غارلاش فى فيفرى من عام 1922.
وهذا لم يفاجئ بقية الفيزيائيين لان الجميع كان يشاطر بوهر فى قناعاته.
لكن الذى فاجئ الجميع انها انشطرت الى قسمين بالضبط كما قال بوهر. رغم ان تفسير بوهر للامر بانه راجع الى تكميم العزم الحركى بقيمتين كان خاطئا و هذا كان يفهمه العباقرة الكبار مثل ديراك و باولى و هازينبرغ بشكل او بآخر.
وكل الذرات الاخرى المُعَدة فى الحالة الاساسية ground state سوف تنشطر الى شطرين ايضا.
بوهر كان يظن ان الحالة الاساسية تتميز بعزم حركى يساوى واحد. اذن التكميم يعطى الحزمتين +1 او -1 فى اى اتجاه من الفضاء.
هذا خاطئ. العزم الحركى للحالة الاساسية صفر فلماذا اذن يقع الانشطار.
وحتى لو كان العزم الحركى هو واحد فانه كان يجب ان يتم الانشطار الى ثلاثة حزمات +1 و -1 و 0.
هذه هى اكبر نتيجة فى هذه التجربة على الاطلاق: انشطار الحزمة الى شطرين.
ستارن و غارلاش نتيجتهما دقيقة جدا لا غبار عليها.
بوهر صحيح فى ان الانشطار هو الى قسمين.
لكن ليس للسبب الذى كان يظنه.
اذن ستارن لم يخسر الرهان لكن لم يربحه ايضا.
وبوهر يصعب تخطيئه كما ذكرنا و لو كان مخطئا.
فحدسه الكمومى عميق جدا لم يستطع اختراقه حتى اينشتاين وتذكروا فان مدرسة كوبنهاغن تسمى كذلك لان بوهر من كوبنهاغن.
اذن حدس بوهر بخصوص هذه التجربة كان صحيحا الى حد كبير رغم خطأ ما يسمى نموذج بوهر.
للملاحظة فان ستارن (وهو يهودى-المانى) تحصل على نوبل عام 1943 عندما اصبح استاذا فى امريكا لكن لم يتحصل معه غارلاش على الجائزة لانه كان رئيس البرنامج النووى الالمانى النازى رعم انه من ابعد ما يكون عن النازية.
بكل بساطة غارلاش كان استاذ و عالم و المانى لا تهمه القضايا السياسية حتى لو كانت حرب عالمية.
اما تفسير التجربة فقد جاء به طالبا دكتوراة اصبحا فيما بعد فيزيائيين كبيرين و التفسير هو ما نسميه اليوم عزم-اللف الذاتى او السبين spin.
ذرات الفضة فى الحالة الاساسية تتميز بالكترون منفرد فى المستوى الطاقوى الاعلى highest energy level لان بقية الالكترونات الداخلية تأتى كلها فى ازواج.
هذا الالكترون الوحيد يتميز بعزم لف يساوى نصف وهذا يؤدى الى ثنائى قطب مغناطيسى او دايبول مغناطيسى magnetic dipole moment مكمم quantized بقيمتين و لهذا فان تفاعل هذا الدايبول المغتاطيسى (الذى يمكنكم تصور ه كمغناطيس) مع الحقل المغناطيسى يؤدى الى انشطار الحزمة الى حزمتين.
سبين الالكترون ليس له تفسير فى اطار الميكانيك الكلاسيكى يقينا فهو ليس له اى تفسير حركى (وتصورنا انه راجع الى الدوران الذاتى للجسيم حول نفسه هو خاطئى لان الالكترون هو جسيم نقطى اذن هو لا يستطيع الدوران حول نفسه لانه ليس لديه محور اصلا).
بل ان سبين الالكترون ليس له اى تفسير حقيقى فى اطار الميكانيك الكمومى بل نحتاج الى الميكانيك الكمومى النسبى وهذا ما فعله ديراك عندما اكتشف معادلته الشهيرة (معادلة ديراك).
السبين او عزم اللف يمكن تفسيره بالكامل باستخدام نموذج الكيوبت qubit model او البت الكمومى.
بل ان فكرة الكيوبت نفسها لا تجد لها تفسير فيزيائى حقيقى الا السبين الالكترونى او العكس فان فكرة السبين الالكترونى لا تجد لها اى تفسير فيزيائى حقيقى الا فكرة الكيوبت.
فى هذا المنشور اشرح كل هذه الامور و اعطى ثلاثة تمرينات لتدعيم الفهم لم يسعنى الوقت لعرض حلهما.
No comments:
Post a Comment