من وجهات نظر مختلفة و متنوعة (فيزيائية و رياضية و نظرية و تجريبية) فانه من الواضح جدا ان طبيعة (الزمن) و طبيعة (الوعى) تلتقيان فى كثير من الامور لكن لا تتوحدان تماما الا فى اطار (نظرية الرصد الكمومى).
فمثلا أهم خواص الزمن هما التدفق flow و السهم arrow المتوجهان من الماضى الى المستقبل.
وأهم خواص الوعى هما الذاكرة memory و الحرية freedom و الذاكرة متوجهة نحو الماضى اما الحرية فهى متوجهة للمستقبل و الوعى ليس الا الحاضر.
اذن الميكانيك الكمومى يوحد بين الحاضر (الراصد و الوعى) و الماضى (الذاكرة و التذكر) و المستقبل (الحرية و التنبؤ).
فالميكانيك الكمومى يؤكد انه لا يعلم الماضى مثلما انه لا يعلم المستقبل و فقط السببية causality المتوجهة هى الاخرى من الماضى الى المستقبل هى التى تجعلنا نتوهم اننا نعلم يقينا الذاكرة بينما لا نستطيع الا ان نظن بالمستقبل.
اما كون السببية متوجهة من الماضى الى المستقبل فهذا راجع الى توجه السهم فى الزمن.
فسهم الزمن فى الفيزياء و عندنا هو اكثر اساسية من سهم السببية.
اما كون الزمن له سهم فهو راجع الى ال becoming اى (أن يصبح) الذى يسيطر على الوجود فى سعيه نحو الكمال.
(فالوجود الذى هو موجود) يسعى الى (الوجود الذى هو وجود) اى يسعى الى ال being اى (أن يكون).
اذن لا شك ان التغير او الزمن او الاصباح هو السمة الاساسية للموجود اما الوجود او الكينونة فى حد ذاتها اى ال being فهى ثابتة لا تتغير.
اذن حسب هذا الرأى فان القوانين الفيزيائية هى اكثر اساسية من الجسيمات الاولية و هذه النظرة تسمى (فلسفة الطريقة process philosophy).
عكس الفلسفة الاخرى فلسفة الاغلبية التى تسمى (فلسفة الجوهر substance philosophy) التى تركز على الوجود و على الجسيمات الاولية و ليس على الاصباح و على القوانين الفيزيائية.
اذن الحقيقة اننا لا نعلم شيئا لا بخصوص الماضى و لا بخصوص المستقبل فنحن -حسب الميكانيك الكمومى- لا نستطيع الا ان نظن فى الاتجاهين فى الزمن.
اذن التاريخ حسب الميكانيك الكمومى هو ليس الا شيء احتمالى لا يقين فيه و اقصد بهذا الامر انه احتمالى من الناحية الانطولوجية و ليس من الناحية الابيستيمولوجية اى ان هذه الاحتمالية هى ليست فقط نقص فى المعرفة بل هى نقص فى الوعى نفسه.
وهذا كله بسبب التناظر فى الزمن. فالتدفق و السهم هما فقط من خواص الوعى مثلما ان الذاكرة هى من خواص الوعى و الحرية هى من خواص الوعى.
والوعى هو موجود فى الحاضر و فى (الفضاء) اى فى (المكان) و ميزة (المكان) او (الفضاء) فى هذا (الحاضر) انه يتمدد او يتوسع فهو يريد ان يصبح لانهائى او يدرك المالانهاية حتى يبلغ و يدرك (الوجود الذى هو وجود) اى ال being.
اذن حتى نؤكد فان الميكانيك الكمومى لا يعلم فعلا الا الحاضر فهو لا يعلم حتى الحالة الابتدائية لا للكون و لا للانسان و هناك فرق بينهما كبير (بين الحاضر و الحالة الابتدائية) و هذا يزيد من اللايقين الذى يميز الوعى فالوعى هو ليس الا الحاضر اما كل شيء آخر فهو محتمل ظنى.
هذا الموضوع يسمى (الماضى الكمومى).
و اكثر من هذا فان لايقين الوعى يمتد بشكل طبيعى الى (الفضاء) او (المكان) نفسه الذى هو أب (الوجود الذى الذى هو موجود) اى ال becoming.
اذن اساس الزمن و الوعى و السببية و كل شيء آخر هو الفضاء او المكان فهو الخاصية الاولى للكون بدون نزاع.
وبهذا تمتزج فلسفة الفيزياء بالفلسفة الوجودية.
اذن نظرية الرصد الكمومى توفر لنا فرصة توحيد الزمن و الوعى و الفضاء و السببية فى اطار شامل واحد واهم خاصية فى هذا التوحيد ان الجميع نسبى منظوريانى.
وهذه آخر الفقرات الفايسبوكية التى سأضمها الى كتابى الجديد فى (فلسفة الميكانيك الكمومى) الذى سيصدر هذا الشهر ان شاء الله مع ال IOP البريطانى.
وهذا كتاب كنت قد بدأت كتابته هنا على الفايسبوك منذ خمسة سنوات و خلاصة الموضوع انه رغم اننى وضعت اطارا شاملا لرؤيتى الخاصة لموضوع (فلسفة الكمومى) الا اننى مازلت بعيدا عن اى فهم نهائى ارتضيه و ارضاه لنفسى و لغيرى.
No comments:
Post a Comment