مبرهنة بال Bell's theorem هى اعظم مبرهنة فى العلم و الفلسفة فى آن معا وهذا باجماع من يعتد به.
و هى تنص على ان العالم يجب ان يكون منطقيا. لكن العالم يكذبها تكذيبا شديدا. فالعالم ليس منطقى بل هو منطقى-كمومى.
فاذا كان A يؤدى الى B و كان B يؤدى الى C فان A يؤدى الى C حتما و ضرورة. أليس هذا تفكير ارسطى-كانطى سليم.
هذا هو نص مبرهنة بال و التعقيد ان هذه المجموعات A و B و C تتم صياغتها فى قالب عمليات قياس او رصد معين لعزم-لف spin الالكترون من قبل الراصدة أليس Alice و لعزم-لف البوزيترون من قبل الراصد بوب Bob فى تجربة ال EPR الشهيرة التى اراد بها اينشتاين Einstein ان يُدمر بها بوهر Bohr فأراد بوهر بالمقابل تدمير هذه التجربة فلا نجح اينشتاين فى تدميره و لا نجح بوهر فى تدميره المضاد لكن خرج من رحم صراعهما بال Bell بفهم افضل و اعمق من فهمهما معا وهما اينشتاين الثانى فى الفيزياء و بوهر الرابع فى الفيزياء فأصبح بال بكل جدارة و استحقاق بذلك الخامس فى الفيزياء النظرية.
وقياس عزم-اللف او السبين فى تجربة ال EPR و مبرهنة بال و غيرها من تجارب الفلسفة الكمومية هو فقط اختيار بيداغوجى فنفس الشيء يقع فى عملية قياس اى مقدار فيزيائى بل هو يقع حتى فى عملية الوعى الانسانى (التى هى عملية رصد كمومى مستمر للعالم).
المفاجأة العميقة التى قل من يفهمها حق الفهم هو ان الميكانيك الكمومى كنظرية و كتجربة و الطبيعة كرصد لا تحترم نهائيا هذا القانون المنطقى لمبرهنة بال و نقول ان الميكانيك الكمومى (وكذا الطبيعة) تغصب violate مبرهنة بال و الغصب هو اسوء انواع الانتهاك و الكسر فى الفيزياء.
فالميكانيك الكمومى لا يحترم مبرهنة بال ليس بشيء بسيط طفيف بل لا يحترمها تماما و بالكامل و هذا هو الغصب.
ولهذا فان مبرهنة بال هى اعظم مبرهنة فى تاريخ العلم وهذا يرجع ايضا الى المسلمات الثلاثة القائمة عليها مبرهنة بال.
اولا مسلمة (الواقع الكلاسيكى classical realism) التى تنص على ان الاجسام و حالاتها موجودة بغض النظر عن عمليتى الرصد observation و القياس measurement.
ثانيا مسلمة (السببية الموضعية local causality) التى تنص على ان التأثيرات السببية causal connections محصورة داخل المخروط-الضوئى light-cone وهذا بكل بساطة يعنى ان التأثيرات السببية لا يمكن ابدا ان تنتشر بسرعة اكبر من سرعة الضوء.
ثالثا مسلمة (حرية الارادة free will) التى تنص على ان الراصد observer يستطيع قياس اى شيء يريده و ان المستقبل (ما كان يمكن ان يقيسه الراصد) لا يمكن ان يؤثر فى الماضى (ما قاسه الراصد فعلا). اى ان ما يسمى المضاد-للحقيقة counter-factual (اى ماكان يمكن ان يكون لكنه لم يكن) ليس له اى تأثير.
مبرهنة بال تكسر على المرجح جدا المسلمات الثلاثة.
اما المسلمة الاولى (الواقعية الكلاسيكية) فيكسرها فعل (الرصد الكمومى quantum measurement).
و كما قال مارمن Mermin (هل القمر موجود اذا لم ينظر اليه احد) وهو سؤال غريب جدا لكن الرجل مارمن وهو من اساتذة المادة الصلبة فى العالم من الذين يفهمون عمق اعماق الميكانيك الكمومى يقصد جدا ما يقوله.
فالاكيد ان (الالكترون غير موجود اذا لم ينظر اليه احد) فلماذا اذن لا يقع نفس الامر بالنسبة للقمر (الجواب معروف اليوم و تجيب عنه الديكوهيرانس decoherence كما سنرى ادناه).
اما المسلمة الثانية (السببية الموضعية) فيكسرها فعل (التشابك الكمومى quantum entanglement) و هو رغم انه ليس بتأثير سببى يمكنه ان ينتشر بسرعة الضوء ناقلا للطاقة الا انه تأثير تزامنى synchronistic effect ينتشر بسرعة لانهائية بتأثيرات فيزيائية حقيقية.
وتذكروا (التزامن synchronicity) لصاحبيه العملاق النفسى جونغ Jung و العملاق الفيزيائى باولى Pauli.
مثلا (اللعبة الكمومية quantum game) هى لعبة تلعبها أليس مع بوب مع امكانية ربح تصل الى 88 بالمائة رغم انه فى النطاق الكلاسيكى فان امكانية الربح لا يمكنها ابدا ان تتعدى ال 75 بالمائة.
اما المسلمة الثالثة (حرية الارادة) فهى يجب على الاقل ان تُعمم الى (المنظوريانية perspectivism) على مصطلح نيتشة Nietzsche البليغ او الراصد على مصطلح بوهر البسيط.
و المنظوريانية تحتوى على الوعى و على حرية الارادة و على الزمن و على السببية و على اشياء اخرى كثيرة.
اما (حرية الارادة) او (المنظوريانية) فيتحداها الماضى الكمومى quantum past و الحتمية determinism و غيرها من الاشياء الاخرى.
والذى يربط (فعل الرصد الكمومى) ب (المنظوريانية) فهو تفسير كوبنهاغن Copenhagen interpretation بخصائصه الثلاثة الاساسية (الثنائية الكمومية quantum dualism, التكامل complementarity و الانهيار collapse الذى هو فعل تزامنى لاسببى).
والذى يربط (فعل الرصد الكمومى) ب (التشابك الكمومى) فهو تفسير عديد-العوالم man-worlds interpretation بخصائصه الثلاثة الاساسية (الجسمانية physicalism, الاحادية unitarity و التفرع branching (الى عوالم متوازية) الذى هو فعل سببى لاتزامنى).
ومن هنا نرى التكامل بين تفسير كوبنهاغن و الرصد فى تفسير كوبنهاغن الذى يقوم به الوعى-الذاتى first-person (اى الضمير أنا) و تفسير عديد-العوالم و الرصد فى تفسير عديد-العوالم الذى يقوم به الوعى-الآخر third-person (اى الضمير هو).
وهذا التكامل هو تعميم للثنائية الكمومية.
اما الذى يربط بين (فعل التشابك الكمومى) و (المنظوريانية) فهو الديكوهيرانس و العالم-من-الديكوهيرانس world-from-decoherence او الكلاسيكية classicality التى تنجم عنه من جهة و من جهة اخرى انهيار دالة الموجة و العالم-فى-الوعى world-in-consciousness او المرصود الذى ينجم عنه وهما شيئان مختلفان عكس ما يعتقد الجميع.
وهنا نصل الى نهاية كتاب و بداية كتاب آخر.
اما الكتاب الذى انتهى بحول الله فهو يتمحور حول (مبرهنة بال) اما الكتاب الذى سيبتدأ ان شاء الله فهو يتمحور حول (معضلة العقل-و-الجسم).
والملاحظة الاساسية الاولى هو ان مسلمات معضلة العقل-و-الجسم mind/body problem تشبه الى حد يدعونا الى الحيرة و الشك مسلمات مبرهنة بال.
فمعضلة العقل-و-الجسم تعتمد على المسلمات الثلاثة التالية.
اولا مسلمة (الثنائية dualism) ان هناك مادة و هناك عقل.
ثانيا مسلمة (الانغلاق السببى causal closure) ان كل الاسباب مادية تؤدى الى مسببات مادية و لا يوجد شيء آخر.
ثالثا مسلمة (السببية العقلية mental causation) ان العقل يؤثر بالاسباب على المادة.
و مسلمة (الثنائية) تشبه مسلمة (الواقعية الكلاسيكية).
ومسلمة (الانعلاق السببى) تشبه مسلمة (السببية الموضعية).
ومسلمة (السببية العقلية) تشبه مسلمة (حرية الارادة).
والميكانيك الكمومى يكذب مسلمات مبرهنة بال اكيد.
والميكانيك الكمومى يبدو انه يكذب ايضا بمسلمات معضلة العقل-والجسم.
بل الميكانيك الكمومى وهو يصف الطبيعة بدون ادنى شك يأتى بمسلماته الخاصة التى هى تصحيح للمسلمات الثلاثة اعلاه.
المسلمة الاولى مسلمة (الثنائية الكمومية quantum dualism).
المسلمة الثانية مسلمة (الانغلاق السببى-التزامنى causal-synchronistic closure).
المسلمة الثالثة مسلمة (المنظوريانية perspectivism).
وانطلاقا من هذه المسلمات الثلاثة الكمومية يمكننا ربما حل معضلة العقل-و-الجسم بصفة خاصة لان هذه المسلمات نفسها هى بالضبط التى حلت معضلة الطبيعة او الكون او العالم بصفة عامة.
فالعالم تريد مبرهنة بال ان تقول انه (منطقى) الا ان الميكانيك الكمومى يقول ان العالم (منطقى-كمومى quantum-logical).
والعالم تريد معضلة العقل-و-الجسم ان تقول انه (جسمانى) الا ان الميكانيك الكمومى يقول ان العالم (نفسى-جسمانى psychophysical).
وكل هذا الكلام ملخص فى الصورة ادناه.