فى هذا الجزء الرابع -وهو آخر جزء لهذا الاسبوع- سنحكى قصة اكتشاف النوترينو neutrino وكيف ان باولى Pauli اعطاهم الحل وقال لهم هذا جسيم عديم الشحنة, تقريبا عديم الكتلة و يجب ان يتفاعل بشكل ضعيف جدا و رمز له ب ν وسماه النوترون (فالنوترون لم يكن قد اكتشف بعد عام 1930) لكن لا احد صدقه.
حتى جاء فرمى Fermi بعده عام 1933 و اخذ فكرة باولى بشكل جدى و حل بها كثير من معضلات تهافت بيطا beta-decay ليس فقط معضلة الطاقة الضائعة missing energy.
فرمى سمى هذا الجسيم نوترينو (وهو تصغير النوترون بالايطالية لان النوترون كان فى هذا الوقت قد اكتشفه اندرسون Anderson وسماه نوترون اى البروتون-المحايد).
معضلة تهافت بيطا هى ان النوترون الحر لا يعيش الا 15 دقيقة فقط فهذا عمره ثم يتهافت بعدها (اى ينحل أو يتفكك او ينقسم) ليعطى بروتون و الكترون.
نطبق مبادئ انحفاظ الطاقة و الزخم على هذا التفاعل باستخدام علاقات اينتشاين للطاقة و الزخم فنجد ان الالكترون (فى معلم الاسناد العطالى inertial reference frame الذى يكون فيه النوترون ساكنا) يجب ان يخرج بطاقة تساوى 0.8 ميغاالكترون فولط (وهذه وحدات فيزياء الجسيمات الاولية).
لكن هذا ليس ما نلاحظه فى التجربه.
الذى نلاحظه ان الالكترون يمكنه ان يخرج بأى طاقة بين 0 و 0.8 ميغا اليكترون فولط. اذن الذى نلاحظه تجريبيا ان الالكترون يخرج بتوزيع طاقة energy distribution قيمته القصوى هى 0.8 ميغا الكترون فولط.
هذه مشكلة كانت عويصة جدا فى ذلك الوقت حتى ان بعضهم (يقال هو بوهر لكننى لست أصدق هذا) دعى الى التخلى عن مبدأ انحفاظ الطاقة.
لكن بكل بساطة فان باولى (الذى يؤمن بعمق بوجود النفس التى لا يمكننا رصدها. انظر منشور البارحة حول العلاقة بين باولى و جونغ) اذن باولى ببساطة قال للجميع الحل حل هذه المعضلة يكمن فى وجود جسيم ثالث مُنتج فى تهافت بيطا (بالاضافة الى الاكترون و البروتون) وهو جسيم لا نرصده لانه محايد كهربائيا, عديم الكتلة (او صغيرة جدا جدا) و ايضا غير متفاعل لا عبر القوة الكهرومغناطيسية و لا عبر القوة النووية القوية بل هو متفاعل عبر قوة ضعيفة جدا لا تسمح لنا برؤيته فى الكواشف detectors (هذه القوة نسميها اليوم القوة النووية الضعيفة weak nuclear force وهى اقل من القوة الكهرومغناطيسية بمعامل يساوى 10 للقوة -11 (اذن هذا ضعف شديد فعلا)).
هذا الجسيم الشبح هو الذى يحمل الطاقة الضائعة التى لا نراها فى الكاشف ونرى فقط الالكترون بذلك التوزيع الطاقوى الشهير (انظر المحاضرة من اجل منحنى هذا التوزيع).
اذن باولى فكر فى النوترينو مثلما يفكر فى النفس فهو فكر ان هذا جسيم موجود لكن رصده صعب جدا جدا (وهذا وجده بقية الفيزيائيين صعب على الفهم كيف لجسيم ان يكون قد انتج فى تفاعل لكننا لا نراه).
النوترينو لم يُرى مباشرة فى المسرعات حتى عام 1956 من قبل راينس Reines و كوين Cowan.
و نعرف ايضا اليوم ان الذى ينتج فى تهافت بيطا هو ليس النوترينو بل هو النوترينو-المضاد anti-neutrino.
انظروا ايضا المحاضرة من اجل شرح اسباب اختلاف النوترينو عن النوترينو المضاد. هنا يدخل مبدأ تناظر جديد هو مبدأ انحفاظ العدد اللبتونى lepton number conservation.
فى المحاضرة سنشرح ايضا ان عملية تهافت جسيم البيون pion الى جسيم الميون muon فى الاشعة الكونية cosmic rays فى الطبقات العليا من الجو هو مرفق بانبعاث نوترينو.
أما عملية تهافت جسيم الميون الى الالكترون فى الاشعة الكونية على مستوى سطح البحر فهو مرفق بنوترينو و نوترينو-مضاد.
اما لماذا لا يتهافت الميون الى الكترون مع اصدار فوتون فهذا ممنوع بمبدأى تناظر آخرين هما انحفاظ العدد الالكترونى electron number conservation و انحفاظ العدد الميونى muon number conservation وهما معا اقوى بكثير من مبدأ انحفاظ العدد اللبتونى.
هذان المبدأن هما اللذان يؤديان الى ضرورة وجود نوعان من النوترينو هما النوترينو الالكترونى electron neutrino و النوترينو الميونى muon neutrino.
فى هذه العجالة الفيزيائية-التاريخية نكون قد وصلنا الى الخمسينات و فى هذه الفترة دخلت الى العمل مسرعات جديدة اقوى بكثير وهنا وقعت ثورة جديدة فى فيزياء الجسيمات الاولية نحكيها فى اقرب فرصة ان شاء الله.
No comments:
Post a Comment