LATEX

حول فلسفة اينشتاين 2

 

فلسفة اينشتاين 2
ومن أهم انجازات اينشتاين الفلسفية (فى الابيستيمولوجيا او نظرية المعرفة) هو تمييزه بين ما سماه (نظرية المبادئ principle theory) و ما سماه (النظرية البنائية constructive theory).
اما (نظرية المبادئ) فهى النظرية التى تعتمد على مجموعة من التعميمات الاومبيريكة empirical generalization او المسلمات التجريبية experimental postulates التى تلعب دور المبادئ التى ننطلق منها فى بناء النظرية.
هذه المبادئ لا تعتمد على اى مفاهيم نظرية لكنها تسمح لنا بادخال المفاهيم النظرية فى مرحلة موالية و بالتالى فهى تسمح لنا بالتحقق مباشرة من النتائج التجريبية.
اما (النظرية البنائية) فهى النظرية التى ننطلق من افتراض عدد من المفاهيم النظرية المجردة ثم تحاول و ضف الظواهر الطبيعية باستعمال هذه المفاهيم النظرية و افتراض ايضا علاقات مناسبة بينها.
(النظرية البنائية) حسب اينتشاين هى اذن نظرية اكثر اساسية من (نظرية المبادئ) فهى تسمح لنا بالتنبؤ بالنتائج التجريبية قبل اجراء التجربة و ليس فقط بالتحقق من تلك النتائج بعد اجراء التجربة.
بعبارة اخرى فان الذى يفسر الظواهر الطبيعية هو فعلا (النظرية البنائية) اما (نظرية المبادئ) فهى لا تفعل الا ان تقدم وصفا للطبيعة (وايضا تسمح لنا كما سنرى بتقييد مجال النظريات البنائية الممكنة و الا فان عدد النظريات البنائية هو لانهائى لو لا تحدد لنا الامكانيات الممكنة نظريات المبادئ).
اذن رغم ان المبادئ او المسلمات الاومبيريكية فى نظرية المبادئ لا تعول تماما على المفاهيم النظرية الا انها مع ذلك لا تشكل فى المحصلة تفسيرا نهائيا للظواهر الطبيعية (التفسير حسب اينستاين يتطلب ضرورة تدخلا فعالا للتنظير العقلى المجرد).
المثال النموذجى الذى يعتبره اينتشاين لنظرية المبادئ هو (الترموديناميك او الديناميك الحرارى).
فاننا فى الترموديناميك ننطلق من مبادئ اومبيريكة عامة وهى (استحالة بناء الآلات الحرارية ذات الحركة المؤبدة perpetual motion thermal machines) ثم بناءا على هذا التعميم الاومبيريكى نقوم بادخال مفهومين نظريين اساسيين هما (الطاقة energy) و (الانطروبى entropy) ونقوم بتحويل هذ المبدأ الاومبريكى المحض (استحالة الالات الحرارية ذات الحركة المؤبدة) الى مبادئ او مسلمات تجريبية هما القانون الاول للترموديناميك (الذى ينص على انحفاظ الطاقة) و القانون الثانى للترموديناميك (الذى ينص على الانطروبى لا يمكن الا ان يزيد او ان اللانظام disorder هو فى حالة تزايد مستمر فى الطبيعة).
اذن الترموديناميك هو (نظرية مبادئ) اما (النظرية البنائية) الخاصة به او المقابلة له فهى (النظرية الحركية kinetic theory للغازات) التى تسمح لنا باشتقاق القانونين الاول و الثانى للترموديناميك من حركة الذرات و خضوعها لتوزيع ماكسويل-بولتزمان Maxwell-Boltzmann distribution هذه الاخيرة المشتقة من معادلة بولتزمان التى تصل ظواهر النقل transport phenomena اى كيف يقترب الغاز من التوزازن الترموديناميكى.
اذن المبادئ الاومبيريكة لنظرية المبادئ هى تعميمات المستوى-الاحفض اما المبادئ التجريبية او المسلمات فى النظرية البنائية فهى تعميمات المستوى-الاعلى.
و هذا مصطلح (المستوى-الاخفض low-level و المستوى-الاعلى high-level) من علوم الحاسوب. اذن استحالة الحركة -الحرارية الابدية هو تعميم اومبيريكى على المستوى-الاخفض (لانه لا يحتاح الى اى مفهوم نظرى) اما قانونى الترموديناميك الاول و الثانى فهو تعميم تجريبى على المستوى-الاعلى (لانهما يتطلبان تعريف الطاقة و الانطروبى). لكن التعميمان متكافئين فيزيائيا فقط الاول وصفى-تحققى اما الثانى فهو تفسيرى-تنبئى.
اذن النظرية البنائية هى التفسير النهائى للطبيعة لكن حتى نصل اليها فاننا نحتاج الى قيود constarints اومبيركية و تجريبية تُقيد و تُحدد و تُضيق من مجالات بحثنا الرياضية و النظرية و هذه القيود هى بالضبط تلك الشروط التى توفرها نظريات المبادئ.
وكمثال على هذا نأخذ (نظرية المبادئ) التى هى الميكانبك الاحصائى فى صيغة قانون بولتزمان Boltzmann law الذى ينص على ان الانطروبى يساوى لوغاريتم عدد الحالات الميكروسكوبية (و هذا يسمى ايضا المجموعة الميكروقانونية microcanonical ensemble) و الذى يربط بين الترموديناميك و النظرية الحركية للغازات.
هذا القانون الجميل جدا (فى الصورة التى هى من شاهد قبر بولتزمان) يُحققه تجريبيا الاشعاع الكرومغناطيسى للجسم الاسود blackbody فى ما يسمى منطقة فين Wein regime من الطيف. و بالتالى استنتج اينشتاين من هذا ان الذى يحدث فعلا هو ان الاشعاع الكهرومغناطيسى مشكل من جسيمات او كمات اولية تسمى فوتونات (مسلمة الكمومى quantum postulate) و بالتالى فان قانون بولتزمان لعب هنا بالضبط دور نظرية المبادئ التى ادت الى النظرية البنائية للاشعاع الكهرومغناطيسى التى هى الميكانيك الكمومى.
اذن بالنسبة للترموديناميك الميكانيك الاحصائى هو نظرية بنائية لكن بالنسبة للميكانيك الكمومى فان الميكانيك الاحصائى هو ليس الا نظرية مبادئ.
رغم هذا فان بوهر مثلا كان بعتقد ان الميكانيك الكمومى نفسه او ما يسمى تفسير كوبنهاغن للميكانيك الكمومى (مبدأ التكامل complementarity principle و مبدأ الارتياب و الثنائية موجة-جسيم) هو ليس الا نظرية مبادئ وخاصة ان مبدأ التقابل عند بوهر يلعب فى الميكانيك الكمومى دورا مماثلا للدور الذى يلعبه مبدأ حدية سرعة الضوء فى النسبية الخاصة.
بالفعل فان اينشتاين نفسه كان يفكر فى (النسبية الخاصة) على انها (نظرية مبادئ) و ليست (نظرية بنائية) فغهى تعتمد على مسلمات او مبادئ اومبيريكة لا تحتاج الا الى القليل جدا من المفاهيم النظرية. هذه المسلمات او هاتان المسلمتان هما مسلمة االنسبية (نسبية المعالم العطالية relativity of inertial frames) و مسلمة الضوء (حدية سرعة الضوء).
هذا التمييز بين نظريات المبادئ و النظريات البنائية عند اينشتاين ترجع جذوره الى نقاشات عمالقة الفيزياء النظرية الكلاسكيين ماكسويل و بلانك و لورنتز و بوانكريه و سومارفالد فى اواخر القرن التاسع عشر فى اطار نظرية الالكتروديناميك الكلاسيكى classical electrodynamics.
مثلا لورنتز و بوانكريه قدما التمييز بين (فيزياء النماذج physics of models) (فيزياء المبادئ physics of principles) اما بلانك فهو كان يدافع عن (تطبيق المبادئ practice of principles) اما سومارفالد فهو كان يعارض (فيزياء التمرينات physics of problems).

 

No comments:

Post a Comment