حول فلسفة اينشتاين
يقول اينشتاين (النص الاول):
لقد قالوا كثيرا وبالتأكيد ليس بدون مبرر أن رجل العلم لا يمكن ان يكون الا فيلسوفا ضعيفا.
اذن لماذا لا يكون من الصواب أن يترك الفيزيائي المجال للفيلسوف ليتفلسف فى العلم كما يشاء?
قد يكون هذا هو الموقف الصحيح بالفعل في الوقت الذى كان يعتقد فيه الفيزيائي أن لديه تحت تصرفه نظاما صارما من المفاهيم الأساسية والقوانين الأساسية الراسخة بحيث لا يمكن لأى موجة من موجات الشك الفلسفية و العلمية الكثيرة أن تصل إليها.
لكن لا يمكن أن يكون هذا موقفا صحيحًا اليوم في هذا الوقت الذى أصبحت فيه أسس الفيزياء نفسها معضلة فلسفية كما هي عليه اليوم (يقصد الميكانيك الكمومى).
في هذا الوقت الراهن, عندما تجبرنا التجربة الحسية على البحث عن أساس أحدث وأكثر صلابة ، فان الفيزيائى لا يستطيع ببساطة أن يُسلم للفيلسوف راية التأمل النقدي حول الأسس النظرية, لأنه (اى الفيزيائى) يعرف افضل (يقصد من الفيسلوف) و من المؤكد انه يشعر أكثر منه من اين يقرص الحذاء.
في البحث عن أساس جديد يجب أن يحاول (الفيزيائى) أن يوضح في ذهنه تماما مدى قبول التبريرات التى تقوم عليها المفاهيم التي يستخدمها وما هي ضروراتها المنطقية و غيرها.
من كتاب (الفيزياء و الواقع) للفيزيائى النظرى الاول فى هذا العصر ألبرت اينتشاين صفحة 349 ترجمة بتصرف.
اذن اينشتاين صراحة ينض على انه لا يمكن ترك التفلسف فى الفيزياء للفيلسوف لان الفيزياء (عكس الرياضيات مثلا و لو ان الرياضات وصلت هى الاخرى اليوم الى نفس المطب) لم تعد اسسها واضحة متينة كما كان يُعتقد فى العهد بين نيوتن الى غاية اكتشاف الميكانيك الكمومى.
اما نوع فلسفة الفيزياء التى يدعوا اليها اينتشاين فهى ذلك النوع من الانطولوجيا و الابيستيمولوجيا المقيد تماما بنتائج الفيزياء و ليست فلسفة حرة تحليلية شاملة على شاكلة هيوم و كانط و هيغل و لا هى فلسفة انسانية ادبية على شاكلة نيتشة و لا هى فلسفة منطقية على شاكلة راسل و فيتغنستاين.
يقول اينشتاين (النص الثانى):
إن العلاقة المتبادلة بين الابيستيمولوجيا والعلم هي علاقة جديرة بالملاحظة.
فهما يعتمدان على بعضهما البعض. فالابيستيمولوجيا بدون احتكاك بالعلم هى نظام فارغ اما العلم بدون الابيستيمولوجيا -اذا كان هذا ممكن من الاصل- فهو بدائي مشوش.
ومع ذلك فان الفيلسوف الذي كان يبحث عن نظام (معرفى) واضح، لا يصدق ان يجد طريقه نحو هذا النظام ، حتى تجده يميل إلى تفسير المحتوى الفكرى للعلم فى اطار نظامه (اى بما يخدم نظاه المعرفى) ورفض كل شيء آخر مما لا يتناسب مع نظامه (اى تطويع العلم لخدمة الانظمة المعرفية و ليس العكس).
أما العالم فانه لا يستطيع السعى نحو المنهجية-الشاملة الابيستيمولوجية بدون حدود (اى انه لا يستطيع تحمل الالتزام بنظام معرفى واحد فى كل شيء). فتجده يقبل بامتنان التحليل المفاهيمي المنهجى (الذى يوفره النظام المعرفى). لكن الظروف الخارجية التي حددتها له الحقائق التجريبية لا تسمح له بأن يترك نفسه مقيدا كثيرا في بناء عالمه المفاهيمي من خلال التمسك بنظام معرفي واحد.
اذن سيظهر العالم للفيسلوف المنهجى-الشامل كنوع من الانتهازيين عديمي الضمير.
لكن فى الحقيقة فان العالم سيظهر كواقعى بقدر ما يسعى لوصف عالم مستقل عن أفعال الإدراك, او كمثالي بقدر ما ينظر إلى المفاهيم والنظريات على أنها اختراعات حرة للروح البشرية (لا يمكن اشتقاقها منطقياً مما يُعطى تجريبياً), و سيظهر كإيجابي بقدر ما يعتبر مفاهيمه ونظرياته مبررة فقط بمدى تقديمها تمثيلًا منطقيًا للعلاقات بين التجارب الحسية.
لكن العالم قد يظهر ايضا حتى على أنه أفلاطوني أو فيثاغورسى بقدر ما يعتبر وجهة نظر البساطة المنطقية كأداة لا غنى عنها وفعالة لأبحاثه.
ترجمة بتصرف عن أينشتاين. من مجموعة شيلب Schilpp منشورة عام 1949 صفحة 665-688.
اذن بالنسبة لاينتشاين لا تهم الأنظمة الفلسفية (فهو سيأخذ منهم جميعا و قد أخذ بالفعل منهم جميعا) بقدر ما يهم المشروع العلمى.
و المشروع العلمى الذى كان يؤسس للنظرة الفسلفية لاينشتيان هو (نظرية المجال التوحيدية) التى يتم فيها توحيد القوتين الكهرومغناطيسية و الجذب الثقالى على نمط نظرية النسبية العامة وهو مشروع فشل فيه اينشتاين ومع هذا لم يتركه الفيزيائيون النظريون بعده فهو مشروعهم الاساسى المعروف اليوم باسم (نظرية الثقالة الكمومية) او (نظرية كل شيء).
No comments:
Post a Comment