LATEX

المنقذ من الضلال (حجة الاسلام الغزالى) -4- حقيقة النبوة و اسباب ضعف الايمان

الجزء الاخير من (المنقذ من الصلال) للغزالى يناقش فيه الغزالى حقيقة النبوة و اسباب ضعف ايمان العوام.

أهم برهان على ضرورة النبى يقدمه الغزالى يقوم على فكرة ان العلوم (يأخذ
مثال الطب و النجوم) لا بد ان يكون لها اصل او معلم يعلمها للانسان و ذلك
الاصل او المعلم الاول هو النبى.
هذا امر كنت قد ناقشته مطولا هنا و
على المدونة تحت عنوان (واين هم انبياء اليونان و الرومان) وهو من انجح
المنشورات على المدونة. و قد اخذه البعض على انه تشكيك فى النبوة رغم اننى
قد قصدت منه التشكيك فى اصل العلم و انه لا يمكن ان ينبع من العقل المحض و
يجب ان يكون له مبتدأ هو النبى. اذن كما ترون هى فكرة الغزالى و لو أننى لم
اكن اعلم بذلك عندما كتبتها اول مرة.
و انسج اكثر على منوال الغزالى واقول ان افضل برهان على امكانية النبوة هو امكانية العبقرية و الاكتشاف فى العلم.

فهناك عباقرة فى الرياضيات و الفيزياء النظرية و مكتشفون فى الفيزياء و
العلوم اتوا بأشياء جديدة سبقوا بها اترابهم. و بعض تلك الاشياء مبدعة جدا
بل فى قمة الابداع (مثلا النسبية العامة لاينشتاين) لا ندرى حقيقة كيف
أُُلهمت لاصحابها اول مرة.
و تجد الرياضيون او الفيزيائيون النظريون
يدرسون معا نفس الشيء لكن الابداع و العبقرية و الالهام (وبعضه منقطع جدا و
مفرد اى ليس له نظير و مثيل سابق عليه) لا يُتاح و لا يُتوفر الا لاحدهم
رغم تساويهم كلهم فى التكوين و الدراسة و الثقافة و المعرفة.
اذن هذا
ما اسميه دليل العبقرية فى العلم. فاذا كانت العبقرية الملهمة المبدعة
المفردة ممكنة و تؤدى الى اكتشافات عجيبة غريبة لا تخطر على بال من لا
يتميز بهذه العبقرية رغم كل الادوات المتوفرة لهم مثل توفرها للعبقرى
الملهم و ربما اكثر.
فان هذه النبوة و هى طور اعلى وراء طور العقل يتيح
للنبى رؤية الغيب و رؤية ما لا يمكن للعقل ان يدركه مثلما انه يمكن للعقل
ان يدرك اشياءا وراء طور الحس و التمييز لا يمكن للحس و التمييز ادراكها.
اذن هذه النبوة ممكنة جدا للبعض الاندر مثلما ان العبقرية ممكنة للبعض النادر.

لكن الفرق يبقى شاسع بينهما فالعبقرية هى كلها ضمن طور العقل (ورغم هذا
لا نفهم كيف لنيوتن ان يكون نيوتن او كيف لاينتشاين ان يكون اينتشاين و لا
يمكن لى و لغيرى كثير جدا رغم ما نتوفر عليه من العلم ان نكون نيوتن او
اينشتاين).
بنفس الطريقة فان الروحانية و الايمان و الولاية و غيرها
يتوفر عليها البعض لكن يندر جدا (لكن ممكن جدا فى آن معا) ان تحدث قفزة
طورية نحو طور النبى و يقع الانكشاف المطلق لذلك الطور الذى يوجد وراء طور
العقل و هذا ممكن التحقق جدا (وقد تحقق بالفعل) للبعض ممن يختارهم الله من
بين عباده.
وهذا دليل العبقرية الذى انسجه على منوال الغزالى.
فى الجزء الثانى يناقش الغزالى اسباب ضعف ايمان العوام و يحدد اربعة اسباب.
الاول راجع الى الفلسفة و تشكيكاتها الكثيرة وهو يوفر القسط الاكبر فى الرد لانها الاخطر و الاذكى حسب ما يعتقد.
الثانى راجع الى التصوف و تطبيقاته المغلوطة التى تدعى ان الحقيقة كافية عن الشريعة مغنية عنها.

الثالث راجع الى الباطنية و يسميهم الغزالى اهل التعليم الذين وقفوا كل
العلم على وجود الامام المعصوم مما يعوق العقل امام حتى فكرة التقدم.

الرابع راجع الى علماء الشريعة الذين دخلوا حسب ما يؤكد الغزالى كلهم فى
الدنيا من اوسع اوبابها و سعوا فى بلاط الحكام جريا وراء المال و السلطة و
الشهوات و المغانم.
و الغزالى كما اكرر مرارا و تكرارا هو من اصدق
مفكرى و فلاسفة الحضارة الاسلامية فهو يؤكد ان حياته هو شخصيا قبل مرحلة
الكشف و التصوف التى اكتشف فيها حقيقة الدين و معنى الايمان كانت من هذا
القبيل كلها سعيا وراء الدنيا و السمعة و الصيت.

No comments:

Post a Comment