LATEX

جايمس بيبلز نوبل فى الفيزياء 2019

وجائزة نوبل فى الفيزياء لهذا العام تأخذها مناصفة الفيزياء النظرية ممثلة فى شخص الكوسمولوجى النظرى بيبلز Peebles (نصف الجائزة) و الفيزياء الكوكبية ممثلة فى شخصى مايور Mayor و كويلوز Queloz (نصف الجائزة).
وهذا غير عادل بالمرة كالعادة تقريبا (فقد حدث هذا من قبل عدة مرات).
وكل الذى فعله مايور و كويلوز هو انهما اكتشفا اول كوكب يدور حول نجم هو مركز لمجموعة كوكبية تشبه المجموعة الشمسية.
وهذا مهم لكنه ليس مهما بالمرة امام انجازت بيبلز.
فالرجل بدون منازع هو الكوسمولوجى النظرى الاول حجة التخصص -الكوسمولوجيا النظرية- منذ الستينات.
واكتشافاته ليست حظا فقط فى الاكتشاف بل هى حظ فى الموهبة و الاكتشاف معا وهذا مستوى اعلى بكثير.
وهذا هو الفرق بين الفيزياء النظرية التى تحتاج حظا من الموهبة و حظا من الحظ و بين الفيزياء التجريبية التى لن تتطلب الا ان تكون محظوطا اى حظا من الحظ بمعنى ان تكون فى المكان المناسب فى الزمان المناسب و تعمل و تجتهد.
اذن بيبلز انجز فى فيزياء اشعاع الخلفية الكونية الميكروى cosmic microwave background radiation و هو الاشعاع الضوئى الذى يجوب الكون بكل حرية منذ اصبح الكون شفافا بعد 400 الف سنة (ما يسمى زمن الانفصال decoupling time) من الانفجار الاعظم.
واشعاع الخلفية الميكروى هو من اهم الظواهر الكونية على الاطلاق لسهولة قياسه (وقد اُكتشف ايضا صدفة مثل ذلك الكوكب اعلاه من قبل مهندسين فى الراديو و الالكترونيك و ليس حتى من قبل فيزيائيين) و احتواءه ايضا على كثير من الاسرار الكونية و اهمها ربما كيفية تشكل البنى structure formation من التقلبات الكمومية quantum fluctuation اى كيف تشكلت المجرات و النجوم و غيرها من البنى الكونية العملاقة انطلاقا من التقلبات الكمومية الضئيلة جدا التى كانت فى عهد التضخم.
ومن انجازات الرجل ايضا مشاركاته المحورية فى التركيب النووى الاعظم big bang nucleosynthesis وهو كيف تشكل الهيدروجين من الالكترونات و البروتونات و النيوترونات و كيف تشكلت باقى الذرات الخفيفة و الثقلية من الهيدروجين.
وايضا من مشاركاته المادة المظلمة dark matter التى تشكل حوالى 25 بالمائة (بمقابل المادة المضيئة التى تتشكل منها اجسامنا و التى تتضمن على 5 بالمائة فقط من اجمالى كتلة الكون).
و المادة المظلمة هى مادة مظلمة لانها لا تتفاعل كهرومغناطيسيا اى لا يمكن ان يصدر عنها اى ضوء و كل تفاعلاتها تتم عبر قوى الجذب الثقالى.
والمادة المظلمة هى السبب فى دوران كل المجرات (وهى تجمعات من المادة لا يعى عظمتها الا القليل).
اذن كل تلك المجرات فانها تدور حول محاورها بسبب قوة الجذب الثقالى لمادتها المظلمة و لا تلعب المادة المضيئة اى دور فى ذلك.
ومن مشاركات بيبلز ايضا الطاقة المظلمة dark energy و هى شئ اعظم من المادة المظلمة و هى تتضمن ما يقارب ال 70 بالمائة من اجمالى كتلة الكون.
والظاقة المظلمة شيء عجيب غريب فهى تتأتى (وهذا هو المرجح عند الاغلبية) من طاقة الفراغ vacuum energy اى طاقة الحالة الكمومية الاساسية quantum vacuum state مثل تأثير كازيمر Casimir effect المشهور مثلا و هى غريبة ايضا لانها تتميز بضغط سالب (عكس المادة المضيئة و عكس المادة المظلمة) و لهذا فانها تؤثر كقوة ثقالة مضادة anti-gravity تؤدى الى زيادة توسع الكون زيادة متسارعة وهذا هو الملاحظ فعلا من القياسات الاخيرة لمرصد بلانك الذى اكد بالاضافة الى كل هذه النظريات الرائعة على صحة نظرية التضخم inflation theory وهى الحلقة الاخيرة التى كانت مفقودة فى صرح النموذج القياسى الكوسمولوجى standard model of cosmology.
وللتمثيل اقول ان المادة المظلمة هى جسم الكون اما الطاقة المظلمة فهى يمكن التفكير فيها على انها روح الكون.
اما الانسان فهو يتشكل من المادة المضيئة لاجسامنا و من الوعى او الروح الذى هو طاقتنا المظلمة.
(للعلم يمكنكم الاطلاع على كل هذه المواضيع بشكل بيداغوجى لكن رياضى و فيزيائى مضبوط فى كتابى حول النسبية العامة المنشور مع ال IOP).
وكل هذا حتى تطمئن قلوبنا الى صحة التنظير الفيزيائى وعدم ابتعاده كثيرا بل على العكس اقترابه الشديد من القياسات و المشاهدات و التجارب الحسية و ماهو موجود بالفعل فى الطبيعة التى رغم كل هذا الفهم المتحقق تبقى فى اغلبها غيب مغيب.
لكن قوة العلم (وبالخصوص الفيزياء النظرية فى التوقع و الفيزياء التجريبية فى التحقق) يجعل العلم فعلا بمثابة المسيح الدجال عند تحديه للفلسفة و الدين و الايمان فقليل جدا من يرسخ و يصبر على فتنته (اى هذا العلم أو هذا المسيح الدجال) لكثرة تصديقه بالمعجزات (اى هذه الانجازات و الاكتشافات رياضيا و نظريا و تجريبيا).
اذن اقول و اننى واثق من ذلك انه كان يجب عليهم (الهيئة السويدية) اعطاء جيمس بيبلز كل الجائزة و ليس فقط نصفها لان ما فعله الاخران ليس شيئا بالمقارنة مع ما فعله هذا العالم العبقرى الذى اجد صعوبة شديدة فى رؤية و فهم عبقريته التى تأتيه بسهولة شديدة تحير عقلى البسيط و علمى الأبسط.
واننى لن استحى ان اقول اننى احسده و احسد امثاله. واظن ان حسد العلماء شيء ايجابى و ليس سلبى اذن فاننى ادعوا اليه لعل بعضنا يحقق فى المستقبل بعض ما حققه كثير منهم.


No comments:

Post a Comment