LATEX

الكوسمولوجيا الطوبولوجية او الطوبولوجيا الكوسمولوجية

 

وحتى نُكمل نقاشنا حول نهائية او لانهائية الكون نناقش اليوم تأثير طوبولوجيا الكون على هذه المسألة (وهو تأثير حاسم) و نناقش ايضا النتائج التجريبية بخصوص هذا الامر (وهى مازات غير حاسمة تماما بل هى مازالت بشكل مريح جدا فى صالح لانهائية الكون).
هذه الاضافة هى جواب منهجى على سؤال و اجابة على تحدى الصديق الدكتور Mohamed Hadj Brahim فى ان نفكر خارج العلبة. نحن ان شاء الله دائما نفكر خارج العلبة و هذه ربما هى سبب جميع مشاكلنا الفكرية و العلمية. وتحدى الدكتور لنا فيزيائيا و فلسفيا -واصدقاء آخرين- هو دائما ما يدفعنا الى مزيد من الضبط و الدقة و التحرى.
اذن كما فى كل موضوع هناك المسار الارثوذكسى اتباع مدرسة الاغلبية الساحقة و هناك المسارات التى تشذ عن المسار الارثوذكسى وهى مدارس الاقليات.
وهذا صحيح فى الفلسفة و الدين و حتى فى العلم.
لكن العلم يعترف انه نسبى متغير و انه ليس مطلق و يقوم بنقد نفسه بنفسه ويلتزم دائما بنتائج الطريقة (العلمية) التى وضعها لنفسه.
محور (الطوبولوجيا الكونية cosmic topology) هو محور صغير فى الفيزياء النظرية و فى الكوسمولوجيا لكنه اتجاه محترم جدا متقيد تماما بطرق الفيزياء النظرية و التجريبية.
الفكرة فى هذا المجال هو بالضبط الاجابة عن السؤال (هل الكون لانهائى ام لانهائى?) عن طريق البحث عن طوبولوجيا الكون و الطوبولوجيا هى الرياضيات التى تهتم بشكل shape و بالخواص الشاملة global للفضاء و لا تهتم بالخواص الموضعية local و التفاضلية differential للفضاء.
لنقوم بالتذكير بأساس النموذج القياسى للكوسمولوجيا standard model of cosmology.
هذا يعطيه متريات تسمى متريات ال FLRW نسبة الى اصحابها فريدمان Friedmann و لوماتر Lemaitre و روبرتسون Robertson و والكر Xalker.
نذكر هنا كنكتة صغيرة ان لوماتر كان فى الحقيقة رجل دين متكلم مسيحى.
نفترض اولا طوبولوجيا هينة trivial topology اذن فى هذه الحالة فان متريات ال FLRW تصف ثلاثة انواع من الفضاء (انطر الصورة).
-الفضاء المغلق closed وهو الفضاء الكروى spherical الثلاثي S3 وهو ذو انحناء curvature موجب. وهذا هو الفضاء الوحيد المتناهى.
-الفضاء الاقليدى Euclidean الثلاثى R3 (وعموما يسمى الفضاء المسطح flat فى الكوسمولوجيا القياسية standard cosmology لكننا سنناقش اليوم الطوبولوجيا الكونية cosmic topology اذن نسميه هنا فضاء اقليدى حتى لا يقع خلط). هذا فضاء بانحناء يساوى صفر وهو لا متناهى.
-الفضاء المفتوح open وهو الفضاء الزائدى hyperbolic الثلاثى وهو ذو انحناء سالب وهو فضاء لانهائى.
حتى تتصوروا هذا الفضاء تصوروا سرج الحصان saddle ثم تصوروا سطح سرج الحصان يذهب الى مالانهاية فى كل الاتجاهات.
هذه الفضاءات كنت قدمتها فى محاضرة اليوتوب الاخيرة على قناة (نظرية كل شيء).
نؤكد مرة اخرى ان النتائج الاخيرة لمرصد بلانك تؤكد على ان الكون مسطح بدقة تساوى 0,04 و بالتالى (وبافتراض الطوبولوجيا الهينة مثل اعلاه) فان الكون اقليدى لانهائى.
لكن هذا قد يتغير اذا اعتبرنا الطوبولوجيا غير-الهينة non-trivial topology واذا تذكرنا ان كل القياسات التجريبية لا تخص الا الكون المرصود الذى يعطى نصف قطره ب 46 مليار سنة ضوئية اما الكون ككل فقد يكون لانهائى (كما تستنتج الكوسمولوجيا القياسية) او نهائى بحجم اكبر من الكون المرصود و قد يكون ايضا نهائى بحجم اصغر من الكون المرصود (فهذا ايضا ممكن كما نسرى اذا كانت الطوبولوجيا غير-هينة).
الفضاءات الثلاثة اعلاه (الكرة و الاقليدى و الزائدى) هى كلها فضاءات بسيطة-الترابط simply-connected اى انها تتشكل من قطعة واحدة مترابطة.
الفضاءات متعددة-الترابط multi-connected كما يدل اسمها الترابط فيها ليسب بسيط بل معقد (اذن يمكن ان نرجع الى نفس المكان اذا واصلنا السير فى نفس الاتجاه) وهى ايضا حلول منسجمة homogeneous و متوحدة المناحى isotropic لمعادلات اينشتاين لكن بخواص طوبولوجية غير-هينة. احد أهم خواص هذه الفضاءات الطوبولوجية انها قد تكون بحجم نهائى.
هذه الفضاءات يمكن ان نحصل عليها بالطريقة التالية.
نفترض ان الفضاء هو بسيط-الترابط (نسميه الآن التغطية الكونية universal cover).
لكن نفترض ايضا ان هذا الفضاء يتركب فى الحقيقة من عملية تكرار لفضاء اصغر (قد يكون نهائى او لانهائى) من شكل معين يسمى المجال الاساسى fundamental domain.
نقول ان المجال الاساسى (الفضاء الصغير) يُبلط tiles (من التبليط و البلاط) فضاء التغطية الكونية (الفضاء الاصلى).
اذن هذه هى فعلا عملية تبليط للفضاء الاصلى مثلما نبلط غرف البيت.
انظروا فى الصورة الثانية عملية تبليط للمستوى (هذا هو الفضاء الاصلى او التغطية الكونية فى هذا المثال) بمستطيلات (هذا هو المجال الاساسى فى هذا المثال).
نحصل على الطورة torus فى بعدين T2.
الفضاء الحقيقى اذن هو البلاطة اى المجال الاساسى اما بقية فضاء التغطية فهو فى الحقيقة سراب.
لو كان الكون فعلا بهذا الشكل فهو فعلا متناهى الحجم (المجال الاساسى او البلاطة او المستطيل فى المثال فى الصورة) اما بقية فضاء التغطية فهو ليس هناك. لانه اذا سافرنا مثلا فى المستطيل فى الصورة من ضلع الى الضلع المقابل فاننا نكون قد رجعنا الى الضلع الذى انطلقنا منه (الضلعان المتقابلان هما نفس الضلع).
من الناحية التجريبية هذا ايضا يعنى ان الضوء الوارد الينا من منبع كونى ما سيرد علينا ايضا من صور ذلك المنبع الكونى جميعها و بالتالى فاننا سنرى بالاضافة الى الضوء الاصلى الذى يصدر من المستطيل (وهو الفضاء الحقيقى) سراب يصدر من خارج المستطيل فهو سراب لان خارج المستطيل ليس حقيقى وهذا ابسط تأثيرات الطوبولوجيا غير-الهينة و هذه الطريقة هى ايضا الطريقة المقترحة لرصد امكانية هذه الطوبولوجيا (اى البحث عن منابع متطابقة تماما فى اشعاع الخلفية الميكروى ال CMB).
عملية التضميم compactification هذه ( اختيار مجال اساسى داخل فضاء التغطية الكونية ثم القيام بمطابقة الاضلع او الحواف او الحدود) هى اهم طريقة للحصول على الفضاءات الطوبولوجية انطلاقا من الكرة الثلاثية و الفضاء الاقليدى الثلاثى و الفضاء الزائدى الثلاثى.
لو قمنا بهذا الامر على الفضاء الاقليدى R3 بمجال اساسى يعطى بمتوازى الاسطح parallelepiped او موشورprism فاننا نحصل على جميع التبليطات tiling الممكنة للفضاء الاقليدى وهى كلها فضاءات اقليدية (اى ذات انحناء يساوى صفر وهذا منسجم مع التجربة) لكنها متعددة-الترابط .
عدد هذه الفضاءات هو بالضبط 17 امكانية اشهرها على الاطلاق هو الطورة الثلاثية T3 (وهذا فضاء قد حكمت عليه التجربة بالاستحالة) و عشرة من هذه الفضاءات ذات حجم نهائى (وهذا هو الهدف).
اذن لدينا 10 فضاءات اقليدية (اى منسجمة مع التجربة) لكن بحجم نهائى منها ستة قابلة-للتوجيه orientable هى التى فى الصورة الثالثة.
الوضعية فى الفضاءات المنحنية مختلفة قليلا بسبب وجود سلم طول length scale اذن لا يمكننا ان نقوم بعملية التضميم الا مع احترام هذا السلم.
بالنسبة للكرة الثلاثية S3 فان عملية التضميم لن تؤثر فى الحجم لان الكرة فضاء متضام اصلا و بالتالى فان حجمه متناهى.
اشهر الفضاءات التى نحصل عليها من الكرة الثلاثية بعملية التضميم هو فضاء بوانكريه الدوديكيهيدرال Poincaré Dodecahedral Space او فضاء ال PDS وهذا فضاء لن نتكلم عنه اكثر لانه فضاء حسمت فيه التجربة رأيها بالاستحالة اى ان الكون ليس هو فضاء ال PDS يقينا.
نصل الآن الى عملية تضميم الفضاء الزائدي الثلاثى.
هنا نحصل على عدد لانهائى من الامكانيات تصنيفها مازال غير معروف.
الفضاءات الزائدية الثلاثية المتضامة (اى ذات الحجم النهائى) تخضع لما يسمى مبرهنة الصلادة rigidity theorem التى تنص على ان الحجم هو مقدار طوبولوجى وهذا شيء خارق للعادة لان الحجم ليس ابدا مقدار طوبولوجى لكن هنا فى حالة الفضاءات الزائدية الثلاثية المتضامة فان الحجم هو مقدار طوبولوجى يمكن اذن استخدامه من اجل تصنيف هذه الفضاءات.
اصغر هذه الفضاءات هى ما يسمى متشعبات وييك Week manifolds وهى ذات حجم يساوى 0,94 (فى وحدات نصف قطر الانحناء مكعب) وهو اصغر حجم ممكن لهذه الفضاءات الزائدية الثلاثية المتضامة.
اذن الامل فى الحصول على حجم نهائى ممكن ايضا فى هذه الفضاءات الزائدية لكن هذه الفضاءات مثل اباها (الفضاء الزائدى الثلاثى العادى) هى ذات انحناء سالب اما التجربة فهى تقول ان الفضاء ذو انحناء صفر.
لدينا اذن عدة فضاءات عديدة-الترابط بحجم نهائى و بانحناء موجب او صفر او سالب.
الخلاصة ثلاثة امكانيات:
-اما ان الكون الكلى لانهائى يظهر فيه الكون المرصود كنقطة صفرية كما تقول الكوسمولوجيا القياسية.
-او ان الكون الكلى هو اكبر من الكون المرصود (الذى رصدنا فيه قيمة الانحناء تساوى صفر) لكن اما ان حجمه ليس كبير جدا أو انه فضاء غير منسجم وهذا مسموح به فى كثير من الفضاءات عديدة-الترابط. فى هذه الحالة يمكن رصد محدودية الحجم عبر رصد الفوتونات التى قد تكون عبرت الكون اكثر من مرة خلال رحلتها عبر ارجاءه.
-او ان الكون الكلى هو اصغر فى الحجم من الكون المرصود وهذه خاصية غريبة جدا لكن ممكنة فى الفضاءات الطوبولوجية عديدة-الترابط. وهذه الحالة هى التى تؤدى الى العدسات الطوبولوجية topological lensing التى تكلمنا عنها فى مثال الصورة الثانية (اذن سيكون هناك عدة نسخ او سراب لكل منبع للضوء فى الكون).
التحقيق التجريبى من هذه الفضاءات يتبع عدة طرق.
مثلا فى طريقة طيف القوة الزاوى angular power spectrum لا نجد الا التصرف العادى للكوسمولوجيا القياسية اذن الطورة الثلاثية T3 و فضاء بوانكريه ال PDS حُكم عليهما بالاستحالة التجريبية من هذه الناحية.
طريقة الدوائر-فى-السماء circles-in-the-sky هى ايضا تلغى امكانية الطورة و فضاء بوانكريه بالكامل مع كثير آخر من الفضاءات الطوبولوجية عديدة-الترابط.
طريقة الكريستالوغرافيا الكونية cosmic crystallography التى تستعمل فى سبر العدسات الطوبولوجية لم تنجح لحد الساعة فى الكشف عن محدودية حجم الكون لكن قد تصبح ذات قيمة لا تقدر بثمن فى العشرية القادمة عندما تتوفر الانزياحات-نحو-الاحمر redshifts العالية جدا (اى مسافات ابعد فى الكون).

مرجع
http://www.scholarpedia.org/article/Cosmic_Topology…





No comments:

Post a Comment