LATEX

التدفق و التمدد


واذا نظرنا الى الزمن فهو يتدفق (او على الاقل يبدو لنا لحواسنا و لعقولنا) انه يتدفق من الماضى الى المستقبل عبر الحاضر وهذا يحيرنا جدا (تأملوا) فهذا متناقض مع مبدأ التناظر تحت تأثير العكس فى الزمن و متناقض مع النسبية و هى مبادئ فيزيائية مطلقة خاصة النسبية أما التناظر العكسى فى الزمن فان الطبيعة تحتوى على استثناء..
من الجهة الاخرى لو نظرنا الى المكان لوجدناه يتمدد..تذكروا توسع الكون الذى هو أهم خصائص الكون المرصود على الاطلاق..
والكثير من غير المختصين دائما يتسائل (ومعهم حق): عندما يتم يتمدد الكون فيماذا او اين او الى ماذا يتمدد?
اما الاغلبية من المختصين كما ذكرت لكم فهم يحتارون لماذا يتدفق المكان?
اذن دعنا نتعاون مع بعضنا البعض المختص و غير المختص لعلنا نميط اللثام عن بعض اسرار الطبيعة التى غابت عن اذهاننا..
فالعامة التى تحكمها الفطرة اذن احتارت فى التمدد اما الخاصة التى يحكمها العقل فقد احتارت فى التدفق...
لنحاول اولا ان نفهم التدفق على انه تمدد و التمدد على انه تدفق...
المستقبل يخرج من العدم الى الوجود بسبب التدفق و يصبح حاضر اما الحاضر فهو يدخل الى العدم و يصبح ماضى بسبب التدفق...
لنحاول ان نقول شيئا مماثل فى المكان..
اللامكان يخرج من العدم الى الوجود بسبب التمدد و يصبح مكان اما المكان الذى كان مكان يبقى مكان رغم التمدد..
اذن المستقبل فى الزمن هو اللامكان فى الفضاء...وهما معدومان حتى يتخلقا و بعد ان يتخلقا فان الحاضر يعود و ينعدم كماضى اما المكان فيبقى...
اذن رغم ان المكان و الزمن متشابهان او هكذا يدعى اينشتاين بالنسبية الخاصة و العامة و رغم ان التدفق يشبه التمدد لغويا الا انه فيزيائيا فان امر جذرى مختلف يحدث...
فالزمن يتخلق و ينعدم بصورة مستمرة..فنحن نقر (اى على الاقل هكذا يبدو لنا ظاهريا لحواسنا و عقولنا) فقط بوجود الحاضر متابعين فى ذلك للقديس اوغستين...
اما المكان فلا ينعدم ابدا بعد ان يتخلق...فالمكان يزداد حجمه بصورة مستمرة و لا ينقص (الا اذا كان هناك فى مستقبل الكون مرحلة اعادة انكماش و سحق اكبر)...
اذن الحاضر فقط موجود فى كل لحظة اما المكان فهو ينمو باستمرار...
و الكثير قد كان يظن ان الزمن هو الاصل وهذا رأى الاغلبية ربما حتى اليوم لكن قد يبدو هذا الامر الآن مستبعد لو فهمنا توسع الكون و علاقته بالمبدأ الثانى للترموديناميك و نعومة الكون البدائى المذهلة كشرط ابتدائى على أن كل ذلك هو الذى ادى الى انبعاث السهم فى الزمن الذى هو فى رأيى التدفق نفسه...
وقد قدم هاوكنيغ نموذجا رياضيا-فيزيائيا يسمى مقترح انعدام الشرط الحدى the no boundary condition proposal الذى يعرف ايضا باسم دالة موجة الكون لهاكوينغ و هارتل Hawking-Hartle wave function of the universe و الذى ينص بالضبط على ان الكون بدأ كمكان لا فى زمن ثم انبعث الزمن من المكان...
رياضيا هذا يعنى ان الفضاء-زمن فى البداية كان اقليدى (بالضبط الكرة الرباعية) ثم وقع انبعاث او انبثاق للزمن ربما فى تحول طورى phase transition لأحد الابعاد المكانية الاقليدية الاربعة الى بعد زمنى لورنتزى...
اذن الكون فى بدايته كان مثل سطح الارض لكن ببعدين اضافيين..
والزمن لانه مثل المكان اى اقليدى فهو زمن تخيلى و ليس زمن حقيقى (وهذا المعنى حرفى و ليس مجازى لان المقصود ب التخيلى و الحقيقى المعانى الرياضية تماما)...
هاوكيغ بهذا المقترح المبدع يريد ان يتجنب القول ببداية زمنية للكون تماشيا مع ميتافيزقيته الدهرية التى يعرفها الكل..لكن هذا يبقى تفسير من حهته..
شخصيا اميل جدا لهذا المقترح الذى يعنى اذن ان التدفق انبعث او انبثق من التمدد و ان الزمن انبعث من المكان و ليس العكس..
فعلى هذا الرأى او التفسير فان المكان هو اذن اصل كل شيء مادى..وان الذى حير العامة (التمدد) هو فعلا اخطر و اعمق من الذى حير الخاصة (التدفق)..وهذا ربما مثال على تفوق الفطرة السليمة common sense على العقل العميق...
اختم بالتذكير بنتيجة سبينوزا ( التى توصل اليها بعقله المحض) و ربما نتيحة ابن عربى (التى توصل اليها بذوقه المحض) فى ان احد اهم صفات الله هو المكان فلم يتكلم اى منهما عن الزمن (خاصة سبينوزا)...
و سبينوزا بالخصوص يضيف فقط صفة واحدة هى الفكر و هو الوحيد من بين الفلاسفة العقلانيين الذى دعا الى المونيزم المحايد (انظر منشور قديم لى بخصوص هذا الامر) ..

No comments:

Post a Comment