LATEX

لماذا اينشتاين هو اينشتاين! او دراما بدارية الحضيض الشمسى لعطارد..


حسب قانون كبلر Kepler الاول فان مسار او مدار اى كوكب حول الشمس هو قطع ناقص اى اهليلج حيث تقع الشمس فى احد المحرقين...
هذا القانون الاومبيريكى empirical واخويه المبنيين على المشاهدة المحضة هو ما استعمله نيوتن لاستنتاج قانون الجذب العام الذى ينص على ان قوة الجذب الثقالى بين جسمين تتناسب مع جداء الكتلتين طردا و مع المسافة مربع عكسا...
الآن نحن نعرف ان قانون الجذب العام لنيوتن-اى ان القوة تتناسب عكسا مع المسافة مربع- هو الاصل فى اعطاء قوانين كيبلر و ليس العكس...
وفى الواقع هناك مبرهنة عظيمة فى الميكانيك التحليلى تسمى مبرهنة برتراند Bertrand's theorem تنص على ان القوتان الوحيدتان التى يمكن ان تؤديا الى مدارات مغلقة هما: القانون المربع العكسي inverse square law-التى اكتشفها نيوتن كما ذكرنا اعلاه و التى تعطى قوة متناسبة عكسا مع مربع المسافة, وقانون هوك Hook الذى يعطى قوة متناسبة طردا خطيا مع المسافة...
اذن العملية فى الاخير هى رياضيات بحتة من النوع الحسابى المحض الذى يمكنك ان تتثق فيه و لا هى مشاهدة و لا حس و لا اومبيريك و لا تجربة و لا منطق و لا لغة و لا اى شيئ آخر لا يمكننا ان نتحكم فىه بسبب كثرة المشككين و الفصحاء!!!...
اذن حسب قانون كيبلر الاول فان جميع المدارات هى اهليليجية اى قطعية ناقصة حول الشمس و الشمس تقع فى احد المحرقين-اى احد مركزى القطع الناقص:لانه قطع ناقص وليس دائرة فله اذن مركزين-..انظر الصورة..
لكن كل كل اى كل تعميم يجب ان يكون له استثناء..
هذه عليكم ان تتيقنوا منها فى الطبيعة و تتيقنوا ان يقينكم فى العلم غير يقينى فكما ان هناك اسباب كونية طبيعية هناك اسباب فيزيائية رياضية..
والكل يمكن ان يتخلف لاسباب كونية طبيعية او اسباب فيزيائية رياضية لا نعرفها...
وهكذا...
الآن الاستثناء لقانون كيبلر الاول هو كوكب عطارد الذى يعانى من ظاهرة تسمى بدارية الحضيض الشمسى لعطارد Mercury perihelion precession ...
الحضيض الشمسى هى النقطة على مدار الكوكب التى يكون فيها الكوكب اقرب الى الشمس...
هذه النقطة لو كان المدار اهليليجى مضبوط تقع فى نفس المكان فى كل دورة كاملة للكوكب...
لكن الملاحظ ان هذه النقطة اى الحضيض الشمسى لعطارد تدور هى الاخرى وهذا ما يسمى بدارية الحضيض..
هذا يعنى ان مدار عطارد ليس مغلقا حقيقة و محاور القطع الناقص خاصته تدور هى الاخرى بفعل قوى اخرى غير قوة الشمس لم تؤخذ بعين الاعتبار...
وهذا الدوران هو ما يسمى البدارية precession ... اى ان البدارية هو عندما يكون محور دوران حركة ما هو نفسه فى حالة دوران حول محور آخر..
اذن الحضيض الشمسى لعطارد يدور فى حركة تسمى البدارية...
وهو يكمل دورة كاملة كل 23000 سنة اى ما يقابل 566 قوس ثانية فى القرن...
تأثير الكواكب الاخرى على حركة عطارد و بالخصوص المشترى يؤدى بعد الحساب الكلاسيكى-وهو من ادق انواع الحساب- الى بدارية تساوى 523 ثانية فى القرن...
يبقى اذن 43 قوس ثانية فى القرن التى اعجزت اجيال من الفيزيائيين و الفلكيين لمدة ثلاثة قرون من الزمان وقد فعلوا فعلا المستحيل بافكار و تقنيات فى منتهى الابتكار و الاصالة لكن لا احد استطاع حساب هذه ال 43 قوس ثانية المتبقية او يعرف اصلها...
حتى جاء اينشتاين..
الشمس كتلتها كبيرة جدا الى الحد انها تؤثر فى بنية الفضاء-زمن حولها وتُحنيها...
والعطارد هو قريب جدا بحيث هو الذى يشعر اكثر بهذا التغيير او الانحناء فى بنية الفضاء-زمن..
اذن الكواكب الاخرى هى ايضا تعانى بدارية لكنها ضعيفة جدا لانها بعيدة عن الشمس...
تأثير الشمس -او اى كتلة نجمية اخرى و حتى الثقوب السوداء- على الفضاء-زمن يمكن حسابه من معادلات اينشتاين للنسبية العامة لنجد فى الاخير ان القوة التى تؤثر بها الشمس على الكوكب هى ليست فقط القانون المربع العكسيى بل تحتوى على جزء اضافى معطى بالقانون الرباعى العكسى اى متناسب عكسا مع المسافة مرفوعة للقوة اربعة..انظر المعادلة فى الصورة الثانية..
من اجل البرهان على هذا القانون يمكن النظر الى كتابى فى النسبية العامة و الامور المتعلقة بها الباب 2.1.2 صفحة 38 ...
الآن نحل معادلات نيوتن للحركة مرة اخرى باستعمال هذا القانون المعدل سنحصل بالضبط على 43 قوس فى الثانية...من اجل البرهان التحليلى انظروا كتابى اعلاه الباب 2.1.3 صفحة 42...
وحتى تتأكدوا ان النظريين الحقيقيين يحبون التجربة الحقيقية فاننى شخصيا قد قمت ايضا بالتجربة الخاصة بهذا الموضوع مع الطلبة منذ حوالى خمسة سنوات وهى تجربة افتراضية تعتمد على حل قانون نيوتن الثانى عدديا باستعمال قانون القوة المعدل فى الصورة و باستعمال خوارزميات رونج-كوتا Runge-Kutta العددية و وجدنا بالضبط ال 43 قوس فى الثانية...
واضيف و اقول ان هذه المحاكاة هى من افضل ما كتبت فى اطار مادة الفيزياء العددية التى ادخلتها فى برنامج الفيزياء فى جامعة عنابة ابتداءا من عام 2009..
هذه المحاكاة هى المحاكاة رقم 7 التى تجدونها فى كتابى الاخر عن الفيزياء العددية باب 4.7 صفحة 50...
أما خطوات الحساب العددى فهى بسيطة الى حد ما تجرى كالاتى:
-نقيس الزاوية التى يصنعها الخط الرابط بين عطارد والشمس مع المحور الافقى عندما يكون عطارد فى نقطة الحضيض الشمسى من اجل قيم مختلفة لوسيط اينشتاين اى المعامل الفا الذى فى المعادلة فى الصورة الثانية..
-لو كان المدار اهليليجى بالضبط لكانت هذه الزاوية دائما ثابتة فى كل دورة لعطارد حول الشمس...
-لكن بسبب البدارية هذه الزاوية نجدها تتغير مع الزمن خطيا...
-نحسب التغير فى الزمن لهذه الزاوية كدالة فى وسيط اينشتاين الفا..بعض القياسات فى الصورة مأخودة من كتابى الثانى اعلاه...
-هذا التغير هو بالضبط كمية البدارية..
عملية استقطاب extrapolation هذا التغير الى قيمة الفا التى تعطيها النسبية العامة-وهى قيمة صغيرة جدا انظر مرة اخرى للمعادلة فى الصورة الثانية- نحصل بالضبط على ال 43 قوس فى الثانية...
وهذا هو لماذا اينشتاين هو اينشتاين..وبعضهم يظن الامر خرافة و مبالغة و هذا من جهله فقط..فالامر فعلا عظيم...
واختم بالقول ان هذا التأثير: بدارية الحضيض الشمسى لعطارد كان قد اكتشفه اولا الفلكى الاندلسى المسلم الزرقلى و هذا قبل ان تذهب الاندلس و تذهب معها قوة اندفاعنا الفلسفية و العلمية و كل شيئ آخر ذى قيمة و لم يبق لنا اليوم الا الكلام و البكاء على الاطلال...



No comments:

Post a Comment